تتأهب محطة «نتفلكس» لإطلاق فيلم جديد آخر لها هو «ذَ مدنايت سكاي» (The Midnight Sky) وهو من إخراج الممثل والمنتج والمخرج جورج كلوني، عن رواية بالعنوان نفسه لمارك سميث الذي كان المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو صوّر له «الانبعاث» (The Revenant) قبل خمس سنوات.
مثل الرواية السابقة تتعامل رواية سميث «سماء منتصف الليل» مع رحلة رجل واحد في الطبيعة القاسية سعياً لغاية لا مفر منها. على العكس منها، فإن «ذَ مدنايت سكاي» رواية مستقبلية عوض أن تنتمي، كحال «الانبعاث»، إلى حقبة زمنية ماضية (القرن التاسع عشر).
كلوني يؤدي دور عالم اسمه أوغستين يحاول إقناع روّاد فضاء بعدم العودة إلى الأرض لكونها أصبحت خطراً على سكانها. في هذا السبيل، عليه أن يقطع مسافات طويلة لاهثاً للوصول قبل فوات الأوان… إن لم يكن هذا كافياً، فما البال لو عرفنا أن أوغستين ملزم برعاية طفل يشاركه الرحلة؟
الفيديو الترويجي لفيلم The Midnight Sky
يأتي الفيلم بعد فترة انقطاع عن العمل السينمائي تمتد من سنة 2017 عندما قام كلوني بتحقيق «سوبربيكون» وهو فيلم حقق نجاحاً معتدلاً ودار حول وضعين متوازيين:
الأول في إطار حكاية زوج يتخلص من زوجته ليرث تأمينها لتخلو له شقيقتها (التي تعلم ما فعل).
والثاني حول عائلة أفرو- أمريكية تنتقل للعيش في هذه البلدة الصغيرة المشمسة التي اختارها سكانها (والأحداث تقع في الخمسينات) مكاناً لعيش نظيف، مريح، مشمس و... من دون أفرو-أمريكيين. وعلى نحو متواز، يقدم كلوني خطى الأحداث كما لو كان يتعامل مع موضوعين مختلفين، لكنهما في الواقع موضوع واحد متصل عند الصرّة الاجتماعية، واحد محدد بحكاية تشويق عائلية والآخر محدد بإطار اجتماعي واسع.
هناك العديد من الممثلين الذين اتجهوا للإخراج أو للإنتاج (أو كليهما معاً) في الآونة الأخيرة. من بينهم، ذكراً لا حصراً، بن أفلك وجسيكا شستين وبراد بت وليوناردو ديكابريو وتشارليز ثيرون. لكن ما يميّز اتجاه كلوني هو اهتمامه الدائم بالموضوع الجاد الشامل لمواقف سياسية.
ففي العام 2001 قام بتحقيق أول أفلامه كمخرج وهو «اعترافات عقل خطير» وموضوعه الأول كان شائكاً: سيرة حياة تشاك باريس الذي كان نجماً لبرامج الألعاب التلفزيونية لكنه اعترف لاحقاً بأنه كان محترف قتل لحساب وكالة المخابرات الأمريكية.
فيلمه الثاني هو «تصبحون على خير، وحظ سعيد» (2005) وفيه تعاطى مسألة الثقل الذي تركته حملة مكارثي على الإعلام من الخمسينات وحتى الستينات عندما تصدّى الإعلامي إدوارد مورو (قام بأداء دوره ديڤيد ستراثيرن) للسيناتور جوزف مكارثي نفسه منادياً باستعادة حرية التعبير الأمريكية.
فيلم «اعترافات عقل خطير»
فيلم آخر لجورج كلوني، ممثلاً ومنتجاً هذه المرّة، ارتبط بأوضاع الشرق الأوسط هو «الرجل الذي بحلق بالماعز» (2009). هذا الفيلم الساخر عرضه مهرجان فنيسيا (وكان سبباً لواحد من عدّة لقاءات تمّت بيني وبين كلوني في المدينة) ودار حول رجل لديه القدرة على التأثير والتواصل مع الماعز بمجرد النظر إليها. خدماته، حسب الفيلم، أدخلت عماد الحرب العراقية آنذاك. وإمعاناً في رغبة كلوني الحثيثة طرح المواضيع السياسية، من جملة ما قام بإنتاجه وتمثيله أو إخراجه، نجده في سنة 2011 عمد إلى تحقيق فيلم «منتصف شهر مارس» (The Ides of March).
يؤدي كلوني هنا دوراً سياسياً بمبادئ لا يساوم عليها. في مطلع الفيلم نستمع إلى بعض تلك المبادئ «أنا لست مسيحياً، ولست ملحداً. لست يهودياً ولست مسلماً. أنا أؤمن بالدستور الأمريكي». واهتمام كلوني بالمواضيع التي تبحث في قضايا العالم متوفر في أفلام قام بتمثيلها ولم يقم بإخراجها أو إنتاجها مثل «ثلاثة ملوك» (1999) الذي كان تجربة في الفيلم ذي النبرة السياسية. حكاية ثلاثة مجنّدين (كلوني، مارك وولبرغ وآيس كيوب) يكتشفون وجود حمولة من الذهب يودون الحصول عليها والهرب بها، لكن المأساة العاصفة (والفيلم يقع في العراق بعد الحرب الأولى) يجبر الجميع على الاهتمام بمآسي المواطنين البسطاء. في العام 2005 عاد كلوني إلى موضوع الشرق الأوسط في فيلم عنوانه «سيريانا».
الفيلم من إخراج ستيفن غاغان وقام على أحداث تقع في بلد خيالي (لو أن الاسم قريب جداً من سوريا) وتعامل مع السياسة الأمريكية حيال النفط في المنطقة وسعي الشركات المتنافسة لاستحواذها.
فيلم «سيريانا»
الموضوع قديم الآن وكان قديماً حين إنتاج الفيلم كذلك، لكنه يفي برغبة صانعيه الحديث عن السياسات الخارجية للولايات المتحدة حيال المنطقة ودور المخابرات الأمريكية فيها. «ذَ مدنايت سكاي» هو فيلم كلوني السابع مخرجاً وهو أصر على أن يقوم بتمثيل الدور الأول فيه لاعباً شخصية العالِم الذي عليه التوجه إلى حيث يوشك البعض التسبب في نهاية الحياة على الأرض. لكنه ليس وحيداً بل تشاركه الرحلة فتاة صغيرة فقدت النطق باكراً. وكان استلم المشروع على أساس القيام بتمثيله فقط، لكنه أحب السيناريو وتخيّله فيلماً من إخراجه وأنبأ محطة «نتفلكس» برغبته وهذه كانت سعيدة بذلك وأمّنت له حرية العمل التي يستحق.