هل يساعدنا الفن على تخيل مستقبل أكثر تفاؤلاً؟
هذا السؤال هو الذي طرحته (جيريجا كيمال) في مقال كتبته خلال عملها أستاذة مشاركة في برنامج الدكتوراه في علاجات الفنون الإبداعية في كلية التمريض والمهن الصحية بجامعة دريكسيل في فيلادلفيا في ولاية بنسلفانيا. وفي هذه المقالة تحدثت كيمال عن أهمية إيجاد إطار لممارسة العلاج بالفن والبحث ونظرية الاستجابة التكيفية وعن قدرة الفن على جعل مخيلاتنا أكثر مرونة وهو السبب الذي دفع الإنسان إلى صنع الفن واختراعه منذ أن كان يعيش في الكهوف. والفن برأي كيمال يخدم غرضًا تطوريًا، فممارسته وصنعه يساعدانا في التغلب على المشكلات التي قد تنشأ في المستقبل وتستند نظريتها إلى فكرة تم تطويرها في السنوات القليلة الماضية عن كون دماغنا آلة تنبئية، فهو يمكنه التنبؤ بالمستقبل باستخدام «المعلومات التي تساعد الشخص على تخيل ما سيفعله بعد ذلك - والأهم من ذلك ما يحتاج إلى فعله للبقاء على قيد الحياة وبصحة جيدة».
إن صنع الفن أو ممارسته يساعد الشخص على اتخاذ سلسلة من القرارات التي ستوجهه نحو هدفه بطريقة سليمة بدءاً من اختياره نوع أدوات الرسم التي سيستخدمها والألوان والكيفية التي سيقوم من خلالها بترجمة ما يراه في الواقع على الورق أو على لوحة الرسم والتفسير الذي ستقوم رسمته بشرحه للتعبير عما يراه أو ما يريد أن يوصله للآخرين.
وما يفعله دماغنا كل يوم وفي كل لحظة بوعي منه أو بدون وعي، محاولة لتخيل ما سيأتي والاستعداد لمواجهته بما يمكن. وتتذكر كيمال في مقالتها تجربة مرت بها جعلتها تركز على هذه النظرية أكثر حدثت أثناء جلسة معالجة مع إحدى الطالبات والتي كانت تعاني اكتئاباً شديداً يؤثر في حياتها وطريقة تفكيرها. كانت تلك الطالبة يائسة جداً فدرجاتها سيئة والشعور القاتم باليأس يطغى على كل شيء آخر في تفكيرها وعلى نظرتها إلى الحياة.
وقدمت كيمال للطالبة قطعة ورق لترسم عليها ما ترغب به، فأخذت الطالبة تلك الورقة واستلت قلم تخطيط أسود اللون وبدأت في التخطيط به على الورقة بينما كيمال تتأملها ولا تقول شيئاً. وبعد أن انتهت الطالبة من الرسم، نظرت كيمال إلى ورقتها لتقول لها وبعد أن حدقت فيها لبعض الوقت: «واو. هذا يبدو قاتمًا حقاً».
ولم يكن ما حدث بعد ذلك أمراً عادياً أو متوقعاً بالنسبة لكيمال، فقد نظرت الطالبة حولها بحثاً عن شيء ثم أمسكت ببعض الصلصال الوردي المنحوت وبدأت في تشكيل زهرة بيديها وقالت وهي تفعل ذلك: «أتعلمين، أعتقد أن هذا ربما يذكرني بالربيع». وأصيبت كيمال بالذهول بعد أن تمكنت الطالبة من خلال تلك الجلسة ومن خلال إبداع الفن من تخيل الاحتمالات الأفضل ومن رؤية مستقبل يتجاوز اللحظة الحالية التي كانت تشعر فيها باليأس والاكتئاب وهو ما جعلها تنجو من حالة الاكتئاب التي كانت فيها وتنظر إلى المستقبل نظرة أكثر تفاؤلاً.
إن هذا ما جعل الفن بالنسبة لكيمال فعلاً من أفعال البقاء، فتخيل المستقبل الأكثر تفاؤلاً والأجمل هو الذي يدفعنا للنجاة من اليأس والخروج من مناطق العتمة بحثاً عن الضوء.