هل يمكن لأحدٍ، سوانا، أن يعرفنا أكثر مما نعرف نحن أنفسنا؟، هل يمكن أن يلج إلى دواخلنا ويرى فيها ما لا نراه؟
في محيط أيٍّ منا، من الأهل والأصدقاء المقربين، من قد يقول لنا بثقة: أنا أعرفك أكثر مما تعرف نفسك، ويمكن لهذا القول أن يأتي في عدة أحوال، وبمعانٍ مختلفة، فقد يقصد به قائله إفهامنا أنه يعرف عيوبنا وسلبياتنا التي لا نجاهر بها، أو لا نعترف بها، إما من باب المكابرة أو حتى من باب أننا لا نحسبها سلبيات، أو أننا لا نلحظها أصلاً، فيما هي ظاهرة في عيونه.
ويمكن أن يرد هذا القول في سياق يريد به صاحبه تبصيرنا بما لدينا من قدرات وطاقات ومواهب، لا نعطيها نحن حقها، أو لا نوظفها كما يجب، ربما من باب ضعف الثقة بالنفس، أو من باب التراخي والكسل، فكأن من يقول لنا: أنا أعرفك أكثر مما تعرف نفسك، يرغب في استنهاض همتنا وتشجيعنا، وتعزيز ثقتنا بأنفسنا.
رب قائل: أمر محسوم أن هناك من يعرف عنا، في بعض التفاصيل، أكثر مما نعرفه نحن عن أنفسنا، وإلّا فلماذا نلجأ للطبيب حين نحسّ بوجع في أبداننا، نسأله المشورة والعلاج، والأمر نفسه يصح على مراجعة الطبيب أو الأخصائي النفسي نشكو له من متاعب تؤرقنا، ونلتمس لديه المعونة في مساعدتنا على التغلب عليها، بعد أن أعيتنا السبل في تحقيق ذلك وحدنا.
لكن حديثنا ليس عن الأطباء بمختلف أنواعهم وتخصصاتهم، بدنية كانت أو نفسانية، وإنما عن بشر آخرين، قريبين منا حدّ التماهي أحياناً، حتى وإن بدا ذلك مستحيلاً، يروننا بعيون لها من الوضوح ما لا يتوفر في عيوننا حين ننظر إلى أنفسنا، والمقصود هنا إلى دواخلنا، وعوالمنا التي قد تبدو خفية علينا نحن أصحابها.
وفي العلاقة مع هؤلاء فإن الأمر لا يتصل فقط بما يمكن أن ندعوه بـ«الطبطبة»، حين يربتون على أكتافنا، شادّين من عزيمتنا، فنشعر بقربهم من أرواحنا، وبمقدار الدفء الذي يمنحنا إياه هذا القربُ، الكفيل بتبديد ما قد يعترينا من إحساس بالوحشة أو الوحدة، أو حتى اليأس، إنما يشمل أمراً آخر علينا التحلي بالصبر حين نسمعه منهم.
نعني بذلك حين تأتي النصيحة على شكل نقد، قد يكون قاسياً، لما يرونه عيوباً فينا أو تقصيراً منا، ربما لا نجرؤ على مكاشفة أنفسنا به، ولكنهم يفعلون ذلك من منطلق محبتهم لنا، ورغبتهم في مساعدتنا على تجاوز ما نحن فيه من صعوبات.