14 يناير 2021

د. باسمة يونس تكتب: رسالة فابيانا

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: رسالة فابيانا

عندما اكتشفت (فابيانا فونديفيلا) وجود أعشاب طفيلية في حديقتها قادها ذلك لاكتشاف حشائش الظلام النامية في قلبها وانتزاعها منه، وأصبحت رسالتها إلى الإنسان «حتى في أحلك الأوقات، فإن الرهبة ليست سوى نبضة قلب، وعندما تكون في شك، انظر حولك، انظر إلى الداخل، ابحث عن الحقيقة!».

كانت فابيانا تعمل صحفية في الأرجنتين، وبعد سنوات عملت لفترة وجيزة كمراسلة حربية ما أعادها ببطء نحو الأسئلة التي كانت تلاحقها في طفولتها عن معنى الحياة؛ لأنها نشأت في منزل ملحد.

وأمضت فابيانا سنوات تجري مقابلات مع بعض كبار المفكرين والصوفيين والعلماء والفلاسفة في العالم، بحثاً عن الخريطة التي يمكن أن تساعدها في العثور على اتجاه روحي خارج حدود العقيدة والمعتقدات الدينية التي لم تقنعها. وأثناء ذلك فوجئت بانتحار أختها الكبرى المصابة بمرض عقلي بعد وفاة والديها بفترة بسيطة. وفي اليوم الذي ماتت فيه شقيقتها ظهر شخص في فناء منزلها الخلفي ومعه ترمس مملوء بشاي كان قد صنعه من شجرة ليمون، وسكب لكل من الحاضرين كوباً بصمت، ولم تنسَ طعم ذلك الليمون الذي كان طعم اللطف والرحمة والأمل كما تقول.

وتلاشى ألم الحزن من قلب فابيانا ما قادها للعودة إلى التفكير بعمق، لكن هذه المرة لم تكن أي كتب أو مدارس كافية لمساعدتها على إشعال النور في عتمة قلبها، فتخلت عن البحث وفي قلبها عقدة من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها.

وذات يوم، وبينما تتمشى في حديقتها عثرت على بعض الأعشاب الغريبة، والتي لم ترَها من قبل، ولم تكن تعرف ماهيتها، فقررت البحث عنها، ليقودها بحثها لاكتشاف كنز دفين من الطبيعة والحكمة النباتية القديمة التي أسرتها وأعادتها إلى طفولة غامضة كانت تتذكرها أحياناً على هيئة ومضات.

وأدى بها اهتمامها بهذه الحشائش إلى الاهتمام بالأشجار، ومن ثم الطيور، وصولاً إلى الغيوم، وعبر هذا المسار الأخضر، وجدت طريقها إلى معنى الحياة بالتواصل مع العالم الطبيعي؛ لتكتشف امتلاءه بمخزون لا نهاية له من الجمال والحيوية التي غذت روحها كل يوم منذ ذلك الحين.

وفي كتابها الذي أصدرته بعنوان «رحلة الأرواح» رسمت في هذا الكتاب خريطة خيالية لتسع مناطق تعتقد بأنها قادرة على منح البشر الراحة والتجديد، وتفتح أمامهم نافذة الغموض ليطلوا من خلالها على الحياة. وكانت المنطقة الأولى في خريطتها هي «الغابة» التي ساعدتها على التوغل في عالم بعيد عن البشر.

ثم بدأت تستكشف الأساطير والأنماط البدائية والطقوس والاحتفالات وتفسير الأحلام، وتتحدث عنها في ندواتها وورش العمل، وتعرفت إلى الحب والأمل والرهبة والامتنان والرحمة والتسامح، واعتبرت لغة الطبيعة لغة القلوب، وانصبّ تركيزها بعد ذلك على كتابة الشعر والتحليق في الخيال الأدبي، لتفوز روايتها (أنا ديسبيرتا) للفتيان بالجائزة الثانية في مسابقة سيجمار الأدبية في عام 2018.

وفي خضم الجائحة التي اكتسحت العالم وأرهقت الناس أسست فابيانا حملة (مناهضة التمييز)، وكانت تجري محادثات أسبوعية مجانية كل يوم أحد، وتدور حول العديد من الأفكار وأهم الطرق التي يمكنها مساعدة الإنسان على تحويل الأزمات الطارئة والتحديات إلى فرص.