20 يناير 2021

إنعام كجه جي تكتب: طفل مولود من أصابع البيانو

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: طفل مولود من أصابع البيانو
من فيلم "Enormous"

أحب الأفلام التي تتعامل مع مشكلات النساء من زاوية مبتكرة. ومنها هذا الفيلم الفرنسي الذي يحمل عنوان «هائلة».

 فأنا، في نهاية المطاف، تلميذة نجيبة لمجلة «حواء» القاهرية التي كانت تحبها والدتي. توصي أبي بأن يقتنيها ويأتي بها إلى البيت؛ لكي يقرأ لها مقالات أمينة السعيد وسعاد حلمي وصفحة الأبراج. وكنا، نحن البنات، نتسلم المجلة بعد ذلك لكي نتفرج على صفحات الأزياء والقصص العاطفية. وبالنسبة لي، كانت أكثر أبواب المجلة متعة صفحات حملت عنوان: «مشكلات المرأة على الشاشة».

من هي «الهائلة»؟ إنها عازفة بيانو تكرس كل حياتها لفنها. ولذلك تحاول تأجيل الإنجاب والمداومة على تناول حبوب منع الحمل. لكن الزوج يريد طفلاً. وفي سبيل ذلك يقوم من وراء ظهرها بوضع حبيبات من الحلوى في علبة حبوب منع الحمل. وتنجح الحيلة، وينتفخ بطن العازفة بحيث يحجب عنها أصابع البيانو. هذه واحدة من مشكلات المرأة التي تجد نفسها موزعة بين مهنتها أو موهبتها، وبين واجبات الأمومة.

ذهبت مخرجة الفيلم صوفي لوتورنور إلى مستشفيات الولادة، وقامت بتصوير الحوامل أثناء المخاض. لقد أرادت تعزيز الفيلم بمشاهد واقعية. كما أن تلك الزيارات والمشاهدات ساعدتها في كتابة السيناريو. وتصادف أن مارينا فويس، الممثلة التي أدت دور العازفة، كانت حبلى أيضاً، في الحقيقة وليس في الفيلم فحسب، وبالتالي فقد كانت تعرف الممرضات وطاقم المستشفى الذي جرى فيه التصوير، وقامت بتمثيل مشاهد وضع الطفل مع القابلة نفسها التي سبق لها توليدها.

إن مارينا ممثلة من طراز خاص. تقول إنها لا تحب تكرار أدوارها، ولا تقديم الشخصيات النمطية. وهي عندما تحب القصة وتثق بالمخرج فإنها لا تمانع من الظهور بشعرها الطبيعي المنكوش وبدون زينة، مثل أي امرأة حين تستيقظ من النوم. أسمع رأيها، وتدور في بالي مشاهد من أفلام ممثلاتنا العربيات وهن يفقن من النوم بـ«ماكياج» كامل ورموش اصطناعية و«باروكات» تولى الحلاق هندستها وتثبيتها على شكل عمائر، لا تتحرك شعرة من موضعها.

وعلى الرغم من الرسالة «النسوية» التي يحملها الفيلم، فإنه يبقى من نوع الكوميديا، وليس بياناً من بيانات حركات تحرير المرأة. مع هذا لا تغيب عنا جرأة المخرجة وهي تحاول نزع صفة القداسة عن الحمل، وتقلب الأدوار التقليدية للجنسين. إن الشخص العاطفي في الفيلم هو الزوج وليس الزوجة. نراه ضائعاً ما بين التردد والترقب. بينما الزوجة هي الطرف الواقعي والعملي في البيت. وهي تتعامل مع حياتها وكأنها مؤسسة عليها أن تديرها بصرامة، لا تسمح بتغيير خططها المرسومة مسبقاً، ولا برامجها وأهدافها المتوسطة المدى ثم بعيدة المدى. وحتى مجيء طفل للأسرة لا يمكن أن يربك منهاجها. فهل تستطيع الالتزام بهذه المقررات بعد أن تصبح أمّاً؟

هذه النظرة المنهجية الباردة للأمومة هي ما يجعل هذا الفيلم مختلفاً. وإذا أدرنا أعيننا، اليوم، فيمن حولنا من نساء عاملات يشغلن مراكز متقدمة، فسنصادف كثيرات ممن يطرحن السؤال الوجودي الصعب: «مسيرتي المهنية أم أمومتي؟».

شخصياً لم أمرّ بسؤال من هذا النوع. ربما لأنني من الجيل شبه التقليدي الذي تربى على أن المرأة صاحبة سبع صنائع: تشتغل في البيت، وخارج البيت، وتربي الأطفال، وترعى الزوج، وتداري أمزجة المديرين في العمل، وترى زملاءها يتقدمون عليها حتى لو كانت أكثر كفاءة منهم.