ماذا لو أمكننا سماع الألوان أو رؤية الأصوات أو ألوان أيام الأسبوع أو طعم الموسيقى؟ أليست الفكرة في حد ذاتها رواية خيالية أو فيلماً من أفلام الخيال العلمي؟ وماذا لو علمنا بأن الموسيقيين فاريل ويليام وجين سيبيليوس كانا من ضمن 4.4% يفعلون ذلك؟
إن رؤية رائحة القهوة على هيئة مستطيلة، أو الهواء على شكل سحابة فقاعية على سبيل المثال، ليس خيالاً بل ظاهرة حقيقية قد أثبتها العلم وأطلق عليها مسمى (الحس المواكب) وهي تجعل الإنسان قادراً على سماع الألوان، ورؤية الأصوات. ويحدث هذا بتحفيز جزء معين من الدماغ لجزء آخر فيعيش الإنسان حالة عجيبة نادرة الحدوث مثل سماع الأشكال أو الإحساس بطعم معين عند سماع صوت ما ورؤية روائح الناس بأشكال هندسية معينة.
وواحدة من الحالات المترافقة مع هذه الحالة فهي «لمسة المرآة» والتي يتحدث عنها الطبيب جويل ساليناس المتخصص (بعلم الأعصاب) في كتاب عنوانه: (لمسة المرآة: مذكرات الحس المواكب والحياة السرية للدماغ). والمثير في الكتاب أن مؤلفه ساليناس يسرد رحلته الشخصية مع حالته النادرة التي منحته شهرة بتشخيص الأمراض لأنه كان يعتمد على عقله في الكشف عنها بدلاً من إجراء التحاليل والإشعاعات. وهذه الحالة التي لا تصيب أكثر من 1-2% من الناس ناتجة عن نشاط مفرط في نوع من الخلايا العصبية يسمى (عصوبات المرآة) جعلت ساليناس يشعر بما يشعر به أي شخص آخر بمجرد رؤيته.
وبدأ ساليناس الإحساس بحالته الغريبة تلك في 2008، عندما وجد نفسه يشعر بطعم الجزر أثناء مشاهدته الأرنب (بغز بني) يأكل الجزر، لكنه لم يكن يعرف بأنه أحد الذين لديهم حالة نادرة لا تصيب كثيراً من الناس إلا بعد أن كبر والتحق بكلية الطب. وأثناء دراسته واجه ساليناس أموراً غريبة لا يعرف سببها كالتي حدثت معه في السنة الثالثة بكلية الطب على سبيل المثال عندما فوجئ وهو واقف أمام شخص مصاب بالسكتة القلبية، بأنه يشعر بضغط هائل على صدره لا يعرف سببه، إلى أن فارق هذا الشخص الحياة فتلاشى معه شعوره بالضغط. وحالة أخرى لامرأة كانت تعاني الشلل الدماغي وغير قادرة على الكلام فشعر ساليناس أثناء تواجده معها بغصة عميقة في صدره ولكزات متتالية في أكتافه، فأوصى بإجراء أشعة مقطعية للمريضة ليكتشفوا وجود جلطات دموية في رئتيها وهو ما لم يكن ممكناً الكشف عنه لولا حالته النادرة التي أمكنته من ذلك.
وكانت أبرز التعقيدات في حالة الطبيب ساليناس اندفاعه لاحتضان زملائه ليحظى بالشعور بالأمان واستمداده الأحاسيس الإيجابية من رؤية السعداء حتى لو كان عبر شاشات التلفزيون. أما الفائدة الكبرى من حالته فهي قدرته على تقديم الخدمات للناس في مجال معالجة أمراضهم الخفية وتفهم مشاعرهم التي تنتابهم بسببها، وساعدته في معالجة الناس والشعور بنفس السعادة التي يشعرون بها عند شفائهم. وأصبح ساليناس معالجاً وجراحاً مشهوداً له بالكفاءة وخصوصاً أثناء قيامه بإجراء عمليات جراحية وشعوره بنفس الآلام التي يشعر بها المريض ومحاولته تجنيبه إياها فسيطر على حالته التي كان يمكن أن تؤثر في حياته عبر تحويلها إلى كفاءة في تشخيص الأمراض التي يصعب شرحها.