13 فبراير 2021

د. حسن مدن يكتب: حاذر أن تفقد شغفك

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

د. حسن مدن يكتب: حاذر أن تفقد شغفك

ثمّة من يقول إنه كلما تقدّم العمر بالمرء تناقص شغفه بالأشياء، وبات أميل إلى السكينة والقناعة بما هو ضروري للحياة، ولأن ينأى نفسه عن خوض تجارب جديدة وولوج عوالم مغايرة، شعوراً منه بأن الأمر ينطوي على شيء من المغامرة، التي بات لا طاقة له عليها.

ويتفاوت الوضع بين شخص وآخر، فإذا كان الأمر يبلغ عند البعض حدّ الزهد من كل شيء، أو من أشياء كثيرة، فإنه عند البعض الآخر قد يبدو شكلاً من أشكال النضج، حين يبلغ المرء، بعد طول تجارب، إلى تحديد خياراته في الحياة، ومعرفة الأشياء الجديرة بأن تثير في نفسه الشغف والمتعة، انسجاماً مع طبيعة ميوله ومزاجه، ولذا فالحديث لا يدور عن انتهاء الشغف، وإنما تحديد أي شغف بالذات نجد أنفسنا فيه.

ليس العمر وحده الذي يؤدي مضيه أو تقدمه إلى تناقص الشغف، فالإحباط يمكن أن ينال من شبان في مقتبل أعمارهم، أمامهم حياة ممتدة، جديرة بأن تستكشف وتعاش، وفي بعض الحالات يعبر تناقص أو انتهاء الشغف عن إحباط أو خيبة أمل، حين يصطدم المرء بمعوقات تعيق أحلامه، يشعر أنه غير قادر على تذليلها، فينطوي على نفسه، وينسحب من الحياة، ولعلّ هذا ما عبّر عنه الكاتب الشهير هيرمان هيسه الذي قال مرة: «لم أكن أريد إلا أن أعيش وفق الدوافع التي تنبع من نفسي الحقيقية. فلِمَ كان ذلك بهذه الصعوبة؟».

لا تخلو الحياة من الإحباطات، ليس كل ما نشتهيه يتحقق من تلقاء نفسه، وهو يستلزم منا عدم الاستسلام، فـ«على هذه الأرض ما يستحق الحياة» كما قال محمود درويش، ما علينا أن نفعله هو أن نحفز كل الحواس فينا لالتقاط ما يستحق الحياة من أجله، وألا نركن إلى اليأس، فثمة مرافئ كثيرة في الحياة مستعدة لاستقبالنا، حين نجد الأبواب سدّت في الوجوه.

الشاعر التشيلي بابلو نيرودا يقول: «ميتٌ من يتخلى عن مشروع قبل أن يهمّ به، ميتٌ من يخشى أن يطرح الأسئلة حول المواضيع التي يجهلها، ومن لا يجيب عندما يسأل عن أمر يعرفه. ميتٌ من يجتنب الشغف ولا يجازف باليقين في سبيل اللايقين، من أجل أن يطارد أحد أحلامه. ميتٌ من لا يقلب الطاولة ولا يسمح لنفسه ولو لمرة واحدة بالهرب من النصائح المنطقية».

ليس خطأ أن نمنح عقولنا الحيز الذي تستحقه في التفكير، لكن في أحيان كثيرة يمكن لما ندعوه بـ«الحكمة»، حين نبالغ فيها، أن تزحف على شغفنا وتصيب منه مقتلاً، فلنحاذر فقدان الشغف.