نحتاج جميعاً للاقتناع بأن علم النفس يمكنه تغيير الكثير في حياتنا، فهو لا يتعلق بالحالات المرضية فقط، إنما يتضمن الكثير من الوسائل والمفاهيم التي يمكنها تحقيق بغيتنا بفرض الطمأنينة في حال تمكننا من الأخذ بها وتطبيقها في الوقت والقدر المناسب. ومن أنجح الوسائل وأكثرها ضرراً في الوقت نفسه «علم النفس العكسي» الذي يستخدم لإقناع أحدهم للقيام بسلوك ما عن طريق تأييد عكسه.
فالبشر يرغبون دائماً بالشعور بالاستقلال ويرفضون لذلك الاقتناع بأمر يطلب منهم، فيقوم الطالبين بعكس ذلك الأمر لينفذوه وهم لا يدرون بأنهم ينفذون بذلك رغبة من احتالوا عليه بعلم النفس العكسي.
وهذا العلم كما يعتقد البعض هو أفضل استراتيجية يلجأ إليها الآباء مع أطفالهم لأنهم يرغبون دائماً في الشعور بأنهم أحرار ويمكنهم القيام بما يحلو لهم وليس ما يريده آباءهم، وهكذا يقومون بعكس ما يريده الآباء ظناً منهم بأنهم يتشبثون بحريتهم في الاختيار ويقومون بما يرغبون فيه لا بما يرغب فيه آباءهم فيتحقق للطرفين ما يريدون.
كما يستخدم كثير من الأزواج هذا النهج من أجل الحصول على ما يريدون بدون إشعار الشريك بأنه مقيد أو خاضع لتسلط وسيطرة شريكه.
ورغم ما يقال عن أن علم النفس العكسي استراتيجية ناجحة في تحقيق المطلوب وخصوصاً حينما يتعلق الأمر بالأطفال الأشقياء والعنيدين، اتهمه البعض بأنه وسيلة «المتمردين» و«النرجسيين» الذين يرغبون في دفع الناس من حولهم لتنفيذ أوامرهم ورغباتهم، وينصح بعدم استخدامها كأداة أو كنهج مستمر، لأنها بدون مصداقية وتسمح بالتلاعب بالناس والاحتيال عليهم. كما وأنها لا تنجح كثيراً مع الأطفال كما سيعتقد البعض بل على العكس من ذلك تماماً، تجعلهم أكثر تمرداً لاعتقادهم بأنهم قد تمكنوا من فرض رغباتهم حتى لو كانت خاطئة وحققوا استقلاليتهم على من يفترض إطاعة توجيهاتهم واحترامها.
ويستخدم بعض التجار والمسوقين هذا الأسلوب من أجل الترويج لبضائعهم وبيعها بالحيلة عن طريق إيهام الجمهور بصعوبة توفر منتج ما أو ندرته، ما يجعلهم شغوفين بالحصول عليه رغم ارتفاع سعره أو انخفاض درجة أهميته أو حتى عدم حاجتهم إليه.
واستخدمت كذلك الروايات الأدبية والدراما علم النفس العكسي في الكثير من القصص التي تعالج الصراع بين الخير والشر ويقوم أبطالها باستخدام هذه الحيلة من أجل الإيقاع بالأشرار الأقوياء أو التمكن من السيطرة عليهم وكذلك حينما يتعلق الأمر بقصص الحب، ورغبة المحب باستدراج المحبوب وكسب قلبه بالحيلة.
وربما تكون أكثر قصص التاريخ تعبيراً عن قدرة علم النفس على تغيير المفاهيم قصة «حظر البطاطس» في فرنسا لمدة (24) سنة بسبب اعتقاد الناس بأنها تنقل مرض الجذام.
وجاء «أنطوان بارمنتييه» لإنقاذها مدعوماً من الملك لويس السادس عشر وتمكن من إعادة الاعتبار لها باستخدام علم النفس العكسي. فقد عمد «بارمنتييه» لزراعة حقول البطاطس على نطاق واسع ووضع الحراس حولها موهماً الناس بأنها نبات ثمين، وقام بتنظيم حفلات عشاء للشخصيات المهمة يقدم فيها مجموعة أطباق شهية من البطاطس المسلوقة والمقلية والمشوية. وكان «بارمنتييه» قد اتفق مع حراس حقله على قبول رشاوي الفلاحين وعدم التشدد في مراقبة الحقول ليلاً كي يتيح للفلاحين فرصة التسلل لسرقة نباتات البطاطس وإعادة إنباتها في حقولهم.