ترفع المجاملة بعض الأحيان الحد المتوقع من الطرف المجامل لتتحول إلى نفاق ظاهر للعيان، في وقت قد تحافظ على منسوبها الطبيعي وتكون إطراء بالغ التواضع يترك أثره في الطرف الآخر ويحسن حالته النفسية والمزاجية.
وفي وقتنا الراهن، باتت المجاملة إلكترونية عبر تطبيقات الهواتف النقالة أو وسائل التواصل الاجتماعي ، وأصبح المجامل أكثر قدرة على المجاملة بصدر رحب ومتسع أكبر من النفاق المغطى بالكلمات المنمقة والتحضير المسبق حيث تغيب تفاصيل الوجوه ولغة الجسد المعبرة عن حقيقة المجاملة من عدمها.
فما واقع المجاملة في مجتمعنا؟ ومتى تصل إلى حد النفاق؟
من منطلق ديننا الإسلامي، الدعوة إلى الكلام الطيب أمر محبذ ومحبب
تؤكد الكوتش منيرة عبدالله، مستشارة أسرية تربوية وأخصائي إرشاد نفسي ، «في مجتمعنا العربي وفي وقتنا الراهن، زادت المجاملة عن حدها ونواكب حضورها في مجال العلاقات لدرجة يختلط على الكثير الوضوح بين المجاملة والنفاق».
ولا تغفل عبدالله تأثير المجاملة في الصحة النفسية للمجامِل والمجامَل، «تؤثر بشكل كبير في الطرف الآخر وتطيب خاطره وتحسن حالته النفسية والمزاجية».
تشرح «إطرائي على طريقة لبس أحدهم أو مدح شكله من شأنه أن يحسن حالته المزاجية ويترك أثره الإيجابي في الفرد. فعلى سبيل المثال، لو أثنيت على مجهود فرد يحاول خسارة وزنه ولا ينجح في ذلك، فهذا من شأنه أن يشعره براحة نفسية ويشجعه على معاودة ممارسة تمارينه الرياضية وبذل نشاط أكبر إثر تحفيزه معنوياً».
وفي هذا السياق، تلفت عبدالله إلى «أن من يجامل، يعرف أنه يقوم بهذا الإطراء ليحسن ويطور هذا الجانب. أما إذا خاض الفرد المجاملة من باب النفاق، فتكون أشد أذى كونه يظلم الآخر حيث أجامل أحدهم من أجل مصلحة أو على حساب شخص آخر ولهدف ما وأنافق وأكذب لندخل هنا في المجاملة السلبية وتداعياتها إذ يدرك الطرف الثاني أن الطرف الأول يخادعه».
وتكمل «من منطلق ديننا الإسلامي، الدعوة إلى الكلام الطيب أمر محبذ ومحبب حيث الآية: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك»، بما تشكله من دعوة إلى أن نتسم باللين و بطيب اللسان والتعامل برفق مع الآخرين وعدم اعتماد الطريقة الفجة في التعبير عن رأينا».
وتضيف «هرمون المجاملة مستقى من الجمال والسعادة واللطف. عندما يكون الفرد جالساً في مكان ما حزيناً ويبادلك أحدهم كلمة لطف ومجاملة، فهذا ينعكس مباشرة على شعورك بالفرح ويرتفع عندك هورمون السعادة».
وتوجه الكوتش عبدالله نصائح لمن لا يتقن فن المجاملة «تعلم أن تكون لطيفاً مع الآخرين وتبثهم الكلمات الطيبة واعتبرها صدقة والله سبحانه وتعالى يحب الإنسان اللطيف اللين ويكره قبيح الكلام والمعشر».
طبيعة البشر اجتماعية ويحبون التعارف ومجاملة بعضهم البعض ولكن في حال توقف كل فرد عند كل تفصيلة أو عند النقاط السلبية للآخر، قد ينفر الأفراد من بعضهم البعض.
يؤكد أخصائي السعادة بهاء الدين سبسبي، من مركز أفق الإبداع للتدريب، أن المجاملة تنطوي على وجهيها السلبي والإيجابي «يجب أن نجامل بعضنا البعض شرط ألا تصل المجاملة إلى درجة التزلف والتصنع، بل تكون نابعة من القلب وتبعاً لتعاليم ديننا الإسلامي الذي يقول إن تبسمك في وجه أخيك صدقة».
ويكمل «زادت في ظل وسائل التواصل وأحياناً، قد تكون المجاملة غير واقعية وبالأخص من خلال الواقع الافتراضي وتصل إلى مستويات من التزييف المتعمد حيث يأخذ الفرد راحته بالمجاملة، في حين على أرض الواقع، قد تكون الصورة مختلفة ويتعرض الشخص لصدمة في حال اكتشاف العكس».
بيد أن أخصائي السعادة لا ينفي الأثر الإيجابي المزدوج للمجاملة «طبيعة البشر اجتماعية ويحبون التعارف ومجاملة بعضهم البعض ولكن في حال توقف كل فرد عند كل تفصيلة أو عند النقاط السلبية للآخر، قد ينفر الأفراد من بعضهم البعض ولا يعود للمجاملة أي دور».
ويشرح «بالتالي، فإن تبادل الإطراء ينعكس إيجاباً على الطرفين من يجامل ومن يتلقى المجاملة والتي هي سبب من أسباب السعادة وسبب من صناعة جودة الحياة التي تعبر عن التعايش وبناء المستقبل».
ثمة حالات لا تركن إلى المجاملة «كثيرون يستشيرونني حول كيفية تغيير أسلوبهم في التعامل مع الآخر وبعضهم يلتحق بدورات وورش في مجال السعادة والتفكير الإيجابي للتغيير من أسلوبه وطريقة تفكيره وغالباً ما تكون النتيجة إيجابية، وهذه تعتمد على الشخص نفسه إثر تزويده بالطرق وإكسابه بعض المهارات ويجتهد بدوره للتغيير من نفسه».
يوجز سبسبي «فالحل هو في تغيير طريقة التفكير بأسلوب إيجابي لأتقن المجاملة بطريقة جميلة وفي حال استمر التفكير السلبي، قد يكون كلامي فجاً ووقعه مؤذياً على الآخرين».