19 يونيو 2021

د. باسمة يونس تكتب: مزاجك.. حصانك

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: مزاجك.. حصانك

لا أحد يتوقع أن يفرض القاضي حكماً قاسياً على متهم بسبب حالة الجو في يوم المحاكمة أو بأن قرار انفصال زوجين سببه يوم سيئ يمران به أو بأن قرار شخص معروف بالحكمة اتخذه بناء على ما كان يشعر به لحظتها، وكان سيختلف لو اضطر لذلك في يوم آخر!

لكن الواقع بأن المزاج يتدخل في الأحكام ويغير القرارات كما يقول ثلاثة من علماء النفس المعروفين في كتابهم «الضجيج: عيب في الحكم البشري» بينهم أستاذ علم النفس (دانيل كانيمان) والحائز جائزة نوبل في الاقتصاد لعام 2002، و(أوليفير سيبوني) كاتب ومستشار في عمليات صنع القرار ويدرس في باريس، و(كاس سنشتين) الأستاذ في جامعة هارفارد.

ويؤكد العلماء أن أحكام الإنسان يمكن أن تعتمد على ما يشعر به، لهذا تختلف أحكام الناس باختلاف أمزجتهم أيضاً، فقد يقرر طبيب إعادة مريضة إلى المنزل بدون أن يطلب القيام بمجموعة من الفحوص والاختبارات قبل تسريحها، لأنه كان يشعر بالتعب في ذلك الوقت أو لأن المريضة تبدو غير مستعدة لذلك. كما ستقوم مديرة في شركة بمجازفة كبيرة بالمضي في مشروع تحف به المخاطر لأنها كانت سعيدة وتشعر بأن كل شيء من حولها رائع بعد قضائها عطلة نهاية أسبوع لطيفة مع عائلتها.

وقام هؤلاء العلماء بإجراء اختبارات لمجموعة من الأشخاص من خلال التحكم بأمزجتهم وقياس الاختلافات التي ستحدث في قراراتهم التي اتخذوها قبل تغيير أمزجتهم، وقد أظهرت نتائج تلك الاختبارات بأنه يمكن أن يكون للمزاج الجيد أو السيئ تأثيراً كبيراً في أحكام الناس بالفعل، والذين يتمتعون بمزاج جيد سيكونون أكثر كرماً وأحكامهم أفضل وأشد تفاؤلاً.

وقال عالم النفس الأسترالي (جوزيف فورغاس)، المتخصص في دراسة المزاج ونشر ما يزيد على المئة ورقة علمية في هذا الموضوع، بأن المزاج السلبي له تأثيرات معاكسة لكنها مثيرة للدهشة لأنه يغير طريقة تفكير الإنسان ويجعله يرى الأشياء على غير ما نراها أو يفسرها بطريقة تختلف عن المقصود بها، فلو كان مزاج الشخص جيداً سوف يرى ابتسامة من حوله ودودة ولطيفة أما لو كان سيئاً فسوف يصف الابتسامة نفسها بأنها محرجة وغير ودية. أما التأثير الذي قد لا يتوقعه الإنسان فهو أن يكون للمزاج السيئ نتائج إيجابية وقرارات تصل بالبعض إلى تحقيق ناجح في أمر ما، فمثلاً في حالة الإقدام على مفاوضات حول أمر ما، سوف يتعاون أصحاب المزاج الجيد مع من يفاوضونهم لأنهم يميلون إلى التوصل إلى حل يرضي الجميع، بينما سيتوصل المفاوض ذو المزاج الغاضب إلى تحقيق نتائج قد تكون أفضل بسبب رفضه التنازل عما يريده.

وفي دراسة قام بها عالم السلوك «جوردون بينيكوك» حول تأثير المزاج في السذاجة يؤكد أن التقلبات المزاجية اللحظية تؤثر تأثيراً كبيراً في جودة الأحكام ويصعب السيطرة عليها، كما يحدث مع الذين يشيدون بمقولات فارغة من المعنى باعتبارها عميقة ومثيرة للإعجاب لأنهم يكونون في حالة مزاجية جيدة، فتؤثر بهم ردود أفعال الذين أعجبوا بها ويوافقون معهم على أنها مقولات رائعة رغم أنها عكس ذلك تماماً!