يبقى التخصص الجامعي محور اهتمام وحيرة للطلبة في نفس الوقت ما يجعل من الاختيار الصحيح أمراً صعباً، بينما كانت تزداد صعوبة الأمر في وقت ليس بالبعيد بسبب صعوبة التوفيق بين ميول الطالب وإمكاناته ورغبة أسرته نجد الطالب اليوم أكثر وعياً وإدراكاً لاختيار تخصصه في ظل اهتمام ودور المؤسسات التعليمية وكوادرها التي أخذت زمام المبادرة في توجيه الطلبة لاختيار ما يتناسب مع ميولهم وتطلعاتهم وقدراتهم.
اختيار التخصص بناء على الرغبة والمستوى الدراسي
يكشف الدكتور أحمد عيد، رئيس قسم التوجيه والإرشاد في مدرسة المعرفة الدولية الخاصة، «عوامل كثيرة أثرت في رغبة طلبة الدراسة الثانوية تجاه اختيار تخصص الدراسة الجامعية خاصةً مع ظهور الإنترنت الذي سهل لهم عمليات البحث والاطلاع بعد أن كان للأهل وفي وقت ليس ببعيد دور كبير للتأثير في خيارات أبنائهم إن لم يفرضوا عليهم اختيار تخصص معين بشكل واضح خاصةً المتميزين منهم من أصحاب العلامات الكاملة أو المرتفعة، وهذا أمر نشهده في أغلب مجتمعاتنا العربية».
يوجه عيد «ننصح الطلبة في اختيار التخصص بناء على رغباتهم وميولهم ومستواهم الدراسي وحبهم لبعض المواد وقدراتهم قبل كل شيء، فهناك من يرغب في دراسة الطب البشري لكنه لا يمتلك العلامات الكافية للمواد التي تؤهله لدراسته أو لخوفه من التعامل مع المشرط والدم، أو من يحب الهندسة لكنه لا يجيد التعامل مع العمالة، من المهم أن يكون الاختيار وفق نظرة علمية تساعده على التميز في العمل بعد الدراسة، وألا يكون الاختيار بدافع تقليد الأصدقاء أو الأقارب وهذا أحد الأسباب الرئيسية لما نلحظه في نسب تغيير التخصصات في الجامعات».
اختيار التخصص الجامعي تبعاً لاحتياجات السوق
فيما تشير الدكتورة إنعام يوسف محمد، أستاذ علم الاجتماع المساعد ورئيس لجنة الاستقطاب والفعاليات في جامعة عجمان، ومدرس علم الاجتماع في جامعة عين شمس في مصر، أهمية اختيار التخصص الجامعي تبعاً لاحتياجات السوق ورغبة الطالب «ارتباط التخصص بمتطلبات سوق العمل ينعكس إيجاباً على مستقبل الطالب، وليتمكن من تحقيق ذلك لابد أن يتم الاختيار وفقاً لما يحققه من درجة في الاقتناع والمتعة في الدراسة الجامعية وهذا يرتبط باهتماماته فيما يفضله وما يتميز فيه أو يتقبله على الأقل ورغبة والديه في نفس الوقت».
وعن الموائمة بين رغبة الطالب والتخصصات الحديثة، تعلق يوسف «إن مواكبة التقدم التقني والثورة الصناعية الرابعة التي نشهدها والذكاء الاصطناعي لا يعني إلزام الطالب بدراستها! فقد أصبح من الممكن تطبيق مثل هذه التقنيات في جميع ومختلف التخصصات بطريقة ما، الأهم من ذلك أن يكون راغباً فيما يتخصص فيه ليتميز ويرتقي ويخدم مجتمعه».
وتضيف «إضافة إلى دور المرشدين الأكاديميين في إرشاد الطالب وتوجيهه للاختصاص الذي يمكن أن يلتحق به، تعمل الجامعة على تحديد فترة زمنية تصل إلى أسبوع لاستقبال الطلبة الجدد وتخصيص عدد من الأساتذة والمرشدين الأكاديميين للإجابة عن كل استفساراتهم والحديث عن كل ما تتضمنه الجامعة من تخصصات وعلاقتها بسوق العمل كي يتسنى للطلبة معرفة أو تأكيد التخصص الذي يرغبون الالتحاق به عن قناعة، والتنسيق مع لجنة الاستقطاب التي تعد الكثير من الفعاليات والمحاضرات وورش العمل التي تنفذها على مدار العام الدراسي لمساعدة وتوعية الطلبة بكيفية اختيار التخصص الجامعي».
الاختيار مسؤولية الطالب
فيما تضع الدكتورة ياسمين الخالدي، استشاري نفسي، تربوي وأسري واستشاري الصحة والإرشاد والتوجيه والصحة النفسية ومدرب معتمد في التنمية البشرية والأسرية، مسؤولية أهمية اختيار التخصص على عاتق الطالب بالدرجة الأولى «عليه أن يعي مهاراته واهتماماته ورغباته، ويقوم بالبحث الوافي والكافي عن طريق الإنترنت عن التخصصات التي تتناسب وقدراته إضافةً إلى الحصول على المساعدة والنصيحة من أشخاص يعملون في نفس المسار الوظيفي الذي يرغب فيه، واختيار تخصص جامعي يكون لديه دعم مسبق فيه، كما عليه التفكير بعمق ودقة في أبعاد اختياره والاستعانة بمستشار وظيفي عند الحاجة للمساعدة في اختيار التخصص في حال عدم التأكد من صحة اختياره كي يقوده للنجاح ويساعده في الحصول على فرصة عمل، وتغيير التخصص عند شعوره بعدم الرغبة في المضي قدماً فيه»، توضح الخالدي دور المرشد الأكاديمي ومسؤوليته في مساعدة الطالب «عليه أن يضع استبياناً يشارك فيه الطلبة ويحدد من خلال إجاباتهم وقدراتهم ومهاراتهم وما يمتلكونه من ذكاء في مجالات عديدة كالذكاء البصري واللغوي والمنطقي والحركي ليساعدهم على اختيار التخصص الذي يناسبهم ويتوافق مع رغباتهم».
تنوه الخالدي بأهمية دور الأسرة في مساعدة أبنائها في اختيار التخصص المناسب «على الآباء والأمهات دعم أبنائهم في مرحلة الاختيار بالتركيز على مثلث الاختيار «الرغبة، القدرة، الفرصة»، فقد تتوفر الفرصة دون رغبة للطالب بالتخصص وقد تتوفر الرغبة بلا قدرة مالية وقد تتوفر الفرصة والقدرة لكن لا رغبة للطالب بدراسة التخصص».
التخصصات المطلوبة في المستقبل
يشير الدكتور كريم الصغير، مدير جامعة عجمان، إلى انعكاسات أزمة «كورونا» على الوظائف وبالتالي على تخصصات الجامعات «مما لا شك فيه أن الجائحة أسهمت في تغيير المفاهيم السائدة المتعلقة بوظائف المستقبل، مما دفع الجامعات بشكل عام إلى إعادة ترتيب أوراقها من خلال استحداث برامج أكاديمية جديدة لتواكب حاجة سوق العمل، فعلى سبيل المثال، طرحت الجامعة مؤخراً في كلية الهندسة وتكنولوجيا المعلومات برنامجي الماجستير في علوم الذكاء الاصطناعي (AI) وبكالوريوس العلوم في تحليل البيانات، لتلبية متطلبات سوق العمل و لرغبة العديد من المتقدمين في الالتحاق بهذين البرنامجين، كما أنشأت الجامعة مؤخراً كلية الطب والتي تهدف إلى مواكبة تطورات التقنيات المتقدمة في القطاع الصحي بالإضافة إلى رفد هذا القطاع الحيوي بكوادر طبية متخصصة»، يخلص الصغير «لقد أظهرت الجائحة الحاجة الملحّة إلى تخصصات مثل:
- الذكاء الاصطناعي
- إدارة الأزمات
- والتجارة والتسويق الرقمي
وهي تخصصات تعتمد على مدى قدرة الخريجين على المساهمة في حل المشكلات وإدارة الأزمات و تتطلب اهتماماً أكثر بمهارات التفكير النقدي وتوظيف الحلول القائمة على الابتكار في إدارة المشروعات».