مضى عقدان ونصف العقد على الأقل منذ أن انقطع خيط التواصل بين رجل وامرأة جمعت بينهما صداقة قوية دامت سنوات، حين خطر خاطر في ذهن المرأة أن تسأل عن أحوال الرجل الذي بات في مدينة أخرى غير تلك التي التقيا فيها، ونشأ بينهما التعارف ثم الصداقة، وحين عادت إلى هاتفها النقّال وجدت أنها محظوظة كون رقمه ما زال مدوناً في قائمة الأرقام التي يحويها الهاتف.
لا تعلم هي بالضبط كيف أتاها الإحساس بأن الرجل فقد رقمها، حين كتبت له رسالة، فحواها التالي: لن أخبرك من أنا. أريد أن أختبر ما إذا كنت تتذكر لمن يعود هذا الرقم، أم تراك نسيته؟
حين قرأ الرجل الرسالة حار في أمره. فلم يكن واضحاً ما إذا كان كاتب الرسالة رجل أم امرأة. استنفر ذاكرته بكل ما استطاع، وجالت في مخيلته أسماء وصور أصدقاء قدامى، من الجنسين، وبالتدريج راح يٌسقط الاسم تلو الآخر من دائرة شكّه في أن يكون هو، أو هي، صاحبة الرقم، حتى انتهى إلى ما يشبه اليقين بمن تكون المرأة التي كتبت الرسالة.
لم ينته الأمر هنا. فاختبار الذاكرة الحقيقي لم يكن في هذا، وإنما في تذكّر اسمها. إنه يتذكر كل شي: شكلها، ملامح وجهها، نبرة صوتها، طريقتها في التحدث، ولكن اسمها ظلّ عصياً على الحضور، حتى أنه تذكر ساعتها ترجمة قرأها ذات مرة لكلمات أغنية ألمانية يقول أحد مقاطعها «كانت أوقاتنا جميلة.. لكن للأسف نسيت اسمك»!
انتابه قلق آخر: أيكون للعمر أثره في هذا، أليس الوقت مبكراً بعد على أن يبلغ هذه الدرجة من نسيان اسم امرأة كانت قريبة منه، وفي نوع من مواساة الذات استحضر قولاً لباحثٍ في مجال علم نفس الأعصاب فحواه «الأسماء مجردة جداً. أما الوجوه فيمكن تذكرها بسهولة ويوجد في المخ منطقة مختصة بتذكر الوجوه، أما الأسماء فلا يوجد لها منطقة خاصة بها في المخ».
كان على الرجل أن يجيب على رسالة المرأة. لوهلة حادث نفسه قائلاً: سأكتب لها «نعم أتذكرك جيداً، كيف لي أن أنساك». ولم يكن في هذا كاذباً، فهو بالفعل يتذكرها، كل ما في الأمر أنه نسي اسمها، ولكنه فكّر أيضاً: ماذا لو سألته لحظتها: إذا كنت تتذكرني فعلاً فمن أنا؟ وتخيّل مقدار الحرج الذي سيجد نفسه فيه حين يتهرب من الإجابة القاطعة على السؤال.
كان الوقت ليلاً. قال سأرجئ الإجابة للغد وخلد إلى النوم بعد تفكير طال. حين أفاق في الصباح شعر بأن لسانه يكاد ينطق باسمها الذي أعادته الذاكرة إليه سالماً.