لا نعلم إذا كان حيز الذاكرة، مهما اتسع يظل محدوداً، وهل يصح أن نقارنها بذاكرة حاسوب آلي؟ صحيح أنها تتفاوت بين حاسوب وآخر، حسب موديله وسعره والشركة المنتجة له، لكن مهما كانت هذه الذاكرة كبيرة، فإن لها حدوداً، حين تبلغها تكفّ عن التخزين، وقد تتعرض لعطب ينال من المخزن فيها، فنفقده.
ليس الأمر كذلك تماماً، وإن كان ينطوي على مقدار من الصحة، بدليل أن قدرات الناس على التذكر تتفاوت بين شخص وآخر، ففيما يظل كثيرون قادرين على تذكر تفاصيل كثيرة مضى عليها زمن، نجد، بالمقابل، آخرين أقلّ تذكراً، فسرعان ما تتلاشى أجزاء مما اعتقدوا أنه محفوظ في مستودع ذاكرتهم.
في الأمر جانب آخر هو انتقائية الذاكرة، وهي انتقائية تبلغ حدّ المكر، فهي تحتفظ بأشياء، وتنسى أو تتجاهل أشياء أخرى، لا نفلح في استعادتها مهما حاولنا تحريض هذه الذاكرة على التذكر، هذا أولاً، وثانياً هناك أمر آخر نشرحه بالتبسيط التالي: يحدث وأنت تستعد لنومك أن تأتي على بالك ذكرى قديمة، وربما قديمة جداً، خلت نفسك نسيتها، وتندهش كيف حدث ذلك، وحين تصحو في صباح اليوم التالي تحاول تذكرها فلا تفلح.
ينسب إلى عالم النفس الشهير فرويد قوله «الذاكرة خوّانة»، ونحسب أنه يعني ما قلناه أعلاه، فهي لا تسعف صاحبها على تذكر ما يريد، ولا تحتفظ بكل التفاصيل التي مرت في حياته.
ولكن يحدث أيضاً أن الناس ينسون فقط الأشياء التي لا يريدون تذكرها: الأشياء الحزينة، المحبطة، فلا أحد يريد أن ينسى اللحظات السعيدة في حياته، ولا الأشخاص الرائعين الذين قابلهم يوماً ولا الأماكن الجميلة التي له فيها ذكرى.
مؤخراً قال علماء إن تقنية حفظ المعلومات المعقدة التي استخدمها سكان أستراليا الأصليون منذ القدم، أكثر فاعلية من طريقة «قَصر الذاكرة» الشائعة اليوم، فلحفظ المعلومات الجديدة، يقوم سكان أستراليا الأصليون بتأليف سرد يصفون فيه النباتات والحيوانات وخصائص المنطقة، وهو ما يجعل المعلومات الضرورية للبقاء كجزء من التقاليد الشفهية المحكية، وغالباً ما يكرر السكان الأصليون سردهم هذا أثناء التعلم، مما يسمح لهم بحفظها.
على ذمة صحيفة «إزفستيا» الروسية فإنه تبيّن أن طريقة السكان الأصليين الأستراليين، هي الأكثر فاعلية في إعادة إنتاج قائمة الكلمات بأكملها بدقة في فترة زمنية قصيرة، واتضح أنها مفيدة في مجالات أخرى غير الذاكرة بالمعنى الذي قصدناه، فهي مناسبة، مثلاً، للذين يدرسون العلوم الطبية الحيوية، حيث من الضروري معرفة التسلسل الدقيق للتفاعلات الكيميائية الحيوية.
اقرأ أيضًا: 10 تمارين لتنشيط الدماغ والذاكرة