تُعتبر قدرتنا على ضبط نوازعنا ورغباتنا ميزة لا بد منها من أجل النجاح في الحياة وفي العمل.
وهنا تجمع الدراسات العلمية على القول إن الأشخاص الذين يسيطرون بشكل جيد على أفكارهم وانفعالاتهم وسلوكياتهم يحققون نجاحات أكبر ويتمتعون بصحة أفضل. كما أنهم محبوبون أكثر من سواهم ومحط ثقة الآخرين بهم وتقابلهم حظوظ أكبر في عيش حياة زوجية هانئة. أضف إلى كل هذا أنهم أقل عرضة للخروج عن السراط المستقيم بما يعني ذلك مخالفة القانون والشرائع أو تعريض النفس للإدمان.
وما يؤكده العلماء ومعهم الإحصاءات اليوم، كان سقراط قد حكى عنه منذ أكثر من ألفي سنة حينما كان يدعو إلى السيطرة على النفس كشرط أساسي للسعادة والحياة الاجتماعية المفيدة والناجحة.
وتعتبر السيطرة على النفس هي الطريقة الأسلم والأكفأ للتأقلم مع محيطنا. فالرغبة في السيطرة على أنفسنا وعلى محيطنا هي رغبة راسخة في أعماق البشر وهي التي تقف خلف انخراطهم في العلوم والسياسة والاقتصاد والفنون. وبما أننا لا نملك جميعًا المقدرة على توجيه الأوامر إلى الآخرين وأن الطريقة الوحيدة لتحقيق أهدافنا هي التعاون معهم، صارت القدرة على ضبط العدائية والطمع والنوازع الشريرة ضرورة في الحياة الاجتماعية.
في الماضي، اعتبر الكثيرون من العلماء في مجال علم النفس الاجتماعي أن أفضل ضمانة لحل المشكلات الشخصية والاجتماعية هي التحلي بدرجة عالية من تقدير للذات.
وكان هذا خطأ لكنه اتصل بتزامن وجود تقدير عالٍ للذات مع تحقيق قدر كبير من النجاح في الحياة.
وفي الحقيقة، وبعد دراسة المعطيات من كثب تبين أن تقدير الذات يأتي كنتيجة للنجاح وليس كسبب له. فبعد متابعة عدد كبير من الطلاب، ظهر أن الحصول على درجات جيدة يؤدي إلى الإحساس بتقدير أعلى للذات في حين أن العكس غير صحيح، فالتقدير العالي للذات والذي يفوق المتوسط لا يقود بالضرورة إلى تحقيق درجات دراسية أفضل.
وهكذا فإن النجاح في الحياة الدراسية أو العملية لا ينجم عن الاعتزاز بالنفس، بل ينجم عن القدرة على السيطرة على النفس من أجل أن تثابر وتجتهد لتحقيق الهدف المنشود.
أما الاعتزاز بالنفس فيمكن أن يشكل دافعًا للاستمرار على طريق النجاح الذي تحقق عبر تجديد الطاقة الداخلية التي تتغذى منها قدرة الإنسان على المثابرة في جهوده.
ولا تولد السيطرة على النفس بالفطرة مع الطفل الذي عادة ما يسعى إلى الحصول على كل ما يريد في اللحظة ذاتها، بل هي تنمو وتكبر وتتطور مع السنوات وبقدر ما يساهم الأهل في تنميتها وتطويرها. وسواء أطلقنا على السيطرة على النفس اسم الضبط الذاتي أو الانضباط، أو بكل بساطة الإرادة، فهي تظل المفتاح الأول للنجاح.