شهر رمضان المبارك بما فيه من روحانيات، فرصة عظيمة للأسرة كي تلم شملها وتتخلص من الصراعات والمشاحنات وعدم التعامل الصحي بين أفرادها، لذلك ينصح خبراء الطب النفسي والعلاقات الأسرية بوضع خطة عملية للاستفادة من أجواء رمضان واستثمارها لتحقيق عدد من الأهداف منها تصفية العلاقات الأسرية وتبادل الحب والرحمة والتعاون في أداء المسؤوليات اليومية.
وجهت «كل الأسرة» عدداً من التساؤلات حول كيفية استغلال أجواء الشهر الفضيل في التخلص من أزماتنا النفسية ومشاكلنا الشخصية والأسرية، إلى مجموعة من خبراء الطب النفسي وعلاج المشاكل الأسرية الذين قدموا عدداً من النصائح التي تساعدنا على الاستغلال الأمثل لهذه الأيام المباركة لتحسين حالتنا النفسية وعلاج مشكلاتنا اليومية.
منحة ربانية لإصلاح العلاقات
في البداية، يؤكد الدكتور محمد هاني، خبير العلاقات الزوجية والأسرية واستشاري الطب النفسي بالقاهرة، أن شهر رمضان يعد منحة ربانية وأياماً مباركة تلقي بظلالها على جميع أفراد الأسرة وتدفعهم إلى الالتزام بالعبادات ومحاولات التقرب إلى الله، وبالتالي تعم مظاهر التراحم بين الناس ما يبعث على الهدوء النفسي والخروج من دائرة الهموم النفسية المعتادة.
ويقول: «مما لا شك فيه أن هذه الروحانيات تسهم في تحقيق العديد من التغيرات الإيجابية وتساعد على تحسين الحالة النفسية خاصة أن الصوم تقرب إلى الله يمنح الأمل في الحصول على الثواب ويساعدنا على التخلص من المشاعر السلبية المصاحبة للمرضى النفسيين».
ويشدد الدكتور محمد هاني، على أن الامتناع عن تناول الطعام والشراب والتدخين والسلوكيات الأخرى خلال نهار رمضان وما يصاحب ذلك من صبر واحتمال يسهم في مضاعفة قدرة الإنسان على التحمل والمواجهة والمقاومة للأمراض النفسية السيئة، «لذلك دائماً ما ننصح المرضى النفسيين بالصيام في رمضان والانغماس في كافة الطقوس الدينية المصاحبة للصوم ونلاحظ في أغلب الأحوال تحسن الحالة النفسية للمريض».
ويلفت الخبير النفسي إلى التأثير الكبير لصلاة التراويح في علاج حالات الغضب وكذلك حالات الاكتئاب لما لها من قدرة على بث روحانية وطمأنينة فى قلوب المصلين، إضافة إلى مساعدتهم على تحقيق مستويات عالية من الصبر والتركيز، فرمضان بكل ما فيه من روحانيات بمثابة دورة تدريبية للأسر على تحمل مصاعب ومتاعب الحياة.
ممارسة العبادات تبعد الأذهان عن التفكير في إيذاء النفس
وتتفق معه الدكتورة نيفين إبراهيم، استشارية الصحة النفسية وتعديل السلوك والإرشاد الأسري، وتنصح الصائمين باستغلال رمضان لإعادة الوقوف مع النفس والتعود على الشعور بالآخرين والتخلي عن الأنانية وحب الذات، وتوضح «الصوم بما يمنحه للصائم من أمل في الثواب والمغفرة لما تقدم من ذنوبنا، يعالج مشاعر اليأس والعزلة والإحباط التي تصيب الكثيرين منا، خاصة أن المشاركة مع الآخرين والتعاون مع أفراد الأسرة في الصيام والعبادات والأعمال الصالحة يزيل مشاعر الرغبة في الانعزال التي يسببها الاكتئاب والقلق».
وتشير الاستشارية النفسية، إلى أن ممارسة العبادات في هذا الشهر الفضيل والانتظام في ذكر الله وانتظار الصلاة بعد الصلاة في هذه الأيام المباركة تتضمن التوبة وتقاوم مشاعر الإثم وتبعد الأذهان عن التفكير في إيذاء النفس بعد أن يشعر الإنسان بقبول النفس والتفاؤل والأمل في مواجهة أعراض الاكتئاب.
لم لا ننتهز هذه الفرصة العظيمة ونبدأ في مرحلة جديدة من تجديد العلاقة الزوجية للقضاء على الفتور والملل والخرس الزوجي
وحول تأثير رمضان في إصلاح المشاكل الزوجية وإصلاح ما أفسدته باقي أيام العام في علاقة الزوجين ببعضهما بعضاً، تؤكد الدكتورة نيفين إبراهيم أن «رمضان فرصة عبقرية للتجديد والإصلاح بين الزوجين وذلك لأن الزوجين يجتمعان كل يوم على مائدة الإفطار والسحور وقد يذهبان معاً لصلاة التراويح في المسجد وتكثر المناسبات التي يخرج فيها الزوجان سوياً سواء للزيارات العائلية أو للتسوق أو للمسجد، فلم لا ننتهز هذه الفرصة العظيمة ونبدأ في مرحلة جديدة من تجديد العلاقة الزوجية للقضاء على الفتور والملل والخرس الزوجي وغيرها من المشكلات التي تسيطر على الزوجين بعد بضع سنوات من بناء الأسرة؟».
وتنصح الاستشارية النفسية الزوجين بالحرص على إقامة بعض العبادات معاً مثل قراءة القرآن والذهاب معاً إلى صلاة التراويح والقيام وتأدية بعض الصلوات جماعة في المنزل وعدم التباعد فى الفراش.
التجمعات العائلية تعيد المودة و تقوي الروابط الاجتماعية
أما الدكتورة ياسمين محمد المهدي، استشارية التربية الإيجابية وتعديل السلوك بالقاهرة، فتعتبر أن من أهم الأمور التي تعمل على خلق أجواء إيجابية، في هذه الأيام المباركة التي ننتظرها من العام للعام، هي التجمعات العائلية سواء على مستوى الأسرة الصغيرة والعائلة الكبيرة على موعدي الإفطار والسحور، وتبين «تجمع الأجداد والأبناء والأحفاد على موائد الإفطار يقوي الروابط الاجتماعية داخل الأسرة ويشعر أفرادها بالتماسك والقوة ويكسبهم الكثير من الثقة بالنفس».
لكنها تشدد على ضرورة أن تكون الأجواء العائلية ودودة مريحة لجميع الأفراد، وألاّ نستغل وقت الطعام لمناقشة المشاكل الداخلية أو محاسبة أحد أفراد الأسرة وعتابه وتوبيخه وإلقاء اللوم عليه، لأن ذلك سيجعل اجتماع الأسرة على المائدة يتحول من فرصة لمد جسور التواصل بين أفرادها وتقوية مشاعر الحب والتسامح وتحقيق الألفة بين القلوب إلى هم وعبء ثقيل على الجميع وذكريات سيئة لا تنسى مع مرور الأيام.
وكذلك تلفت المستشارة التربوية إلى أهمية ألاّ نترك أولادنا فريسة للتلفزيون والهواتف المحمولة مهما كانت أعمارهم صغيرة، فمن يهمل في تعليم أولاده ما ينفعهم فقد أساء إليهم بالغ الإساءة «للأسف كثير من الآباء يشتكون أن أبنائهم يفطرون في رمضان أو يدخنون في نهاره، وللأسف هذه النماذج ما هي إلا محصلة لتقصير الآباء في غرس معاني حب شهر رمضان في نفوس أبنائهم وهم صغار».
كيف نستفيد من هذه الفترة المباركة؟
ومن ناحيته، يرى المستشار الأسري والتربوي الدكتور حاتم زاهر، المتخصص في الإرشاد الأسري بالقاهرة، أنه من الأفضل للوالدين استغلال الشهر الفضيل في حل بعض المشكلات التي تفسد العلاقة بين الآباء والأبناء وإذابة الجليد والجفاء الذي يخيم على العلاقة بينهم طوال فترات العام، وينصح الآباء بالحرص على إبداء مشاعر الفرح والابتهاج وإظهار الزينة بالبيوت دون مبالغة وعدم مناقشة مشكلات الأسرة المادية التي تسببها الأعباء الإضافية على كاهلهم من جراء العزائم والولائم أمام الأبناء.
ويقدم الخبير الأسري نصيحة للأسر العربية بوضع خطة يومية يشترك فيها أفراد الأسرة للاستفادة من هذه الفترة المباركة واستغلالها للإصلاح النفسي، موضحاً «من الأفضل لجميع أفراد الأسرة الاتفاق على طريقة التعامل مع التلفاز والكمبيوتر وأدوات التسلية الإلكترونية طوال شهر رمضان، فبدلاً من الاستغراق في تضييع الوقت على هذه الأجهزة نتفق على أن نجعل لها وقتاً محدداً لا نتجاوزه جميعاً الكبير والصغير، وأن يكون الأب والأم قدوة حسنة في ذلك».
ويشير الدكتور حاتم إلى أننا «دائماً ما ندعو إلى استغلال أيام رمضان لإصلاح العلاقة بأولادنا الذين يمرون بمرحلة المراهقة، فهو يمكن الجميع من تجاوز المشكلات النفسية ويقلل من العصبية لديهم ويقضي على مشاعر الملل والإحباط والعناد التي تصيبهم إذا ما أحسنا التعامل معهم، فما المانع من أن تجتمع الأسرة قبل رمضان أو في بدايته ويتفق الجميع على التعبير عما يضايقه وعن السلبيات التي يراها في نفسه وفي علاقته بباقي أفراد الأسرة ويتعاهدون جميعاً على إصلاح النفس وإصلاح علاقتهم بالمولى عز وجل وبعضهم بعضاً أيضاً؟».