17 أبريل 2022

إنعام كجه جي تكتب: كلنا طباخون

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: كلنا طباخون
الشيف علاء الشربيني

حاولت أن أحصي عدد القنوات المتخصصة في الطبخ، أو تلك التي تقدم برامج يومية لهذا الطاهي أو تلك الطاهية، لكنني فشلت. طباخون عرب: لبنانيون وسوريون ومصريون وخليجيون، أو أجانب: إنجليز وفرنسيون وصينيون ويابانيون ومكسيكيون وهنود. لم يعد الطبخ وظيفة ربة الأسرة فحسب؛ بل هواية عالمية يتشارك فيها الرجال والنساء، الصغار والكبار، مثل الرياضة والموسيقى والمطالعة.

ومع حلول الشهر الكريم، تصاب الفضائيات بحمى رمضان وموائد الإفطار. تصطف الطوابير أمام محال الجزارة والحبوب والبقول والحلويات والمكسرات. ويتحول المطبخ إلى المكان الأهم والأسمى في البيت. أكثر من شخص يشمّر عن ذراعيه وتنشط الأيدي وتتفنن الأنامل في التقطيع والفرم والتحمير والعجن والفرد واللف والجري ما بين طاولة العمل والفرن الكهربائي، أو منقلة الفحم. وهناك دائماً حصة للضيوف وللجيران أو للعائلات الضعيفة ولموائد الرحمن.

أعترف بأنني تعلمت الطبخ وبرعت فيه مكرهة لا بطلة، بعد الزواج ومفارقة بركات الوالدة، ثم التغرب لاستكمال الدراسة في بلاد بعيدة. لم تكن المطاعم اللبنانية والإيرانية قد غزت أوروبا في تلك الأيام، وكان عليّ القيام برحلة طويلة لكي أعثر على بقال هندي يبيع التوابل أو خبز التنور أو النومي المجفف. وهكذا أسرعت بطلب كتاب للوصفات العربية ووصلني بالبريد دليل الطبخ العراقي لطيبة الذكر نزيهة أديب. لم يكن كتاباً؛ بل موسوعة تضم كل أنواع اليخنة والكبة والمعجنات والمخبوزات والأسماك والدواجن والسلطات والشوربات والمربيات والحلويات. عكفت عليه أكثر مما عكفت على مصادر دراستي العليا.

كنت أتباهى بأنني طباخة ماهرة. أقيم في شقتي الولائم للطلبة المغتربين. كما أبهر جيراني الفرنسيين بالروائح المنبعثة من مطبخي. وهو مطبخ لا تتجاوز مساحته المتر في مترين. تطرق جارتي عليّ الباب وتسأل «هل يمكن أن أعرف أي أكلة هي هذه التي يسيل لرائحتها لعابي؟». وطبعاً كان الجواب يقترن بطبق تتذوقه عندي، على الواقف، أو تأخذه لتتشارك فيه مع زوجها.

ومضت السنوات، ولم تعد مهاراتي المطبخية مما يعتز به المرء. لقد انتشرت الفضائيات وتولى التلفزيون تعليم الطبخ لكل من هبّ ودبّ، وكدت أكتب «للقرعة وأم الشعر» لولا خشيتي من صفعة تأتيني من ويل سميث. مع هذا ما زال أصدقائي يقرون بأنني قادرة على تحويل البرغل البسيط إلى برياني، وطبق الفاصوليا اليابسة إلى قوزي.

من هو «الشيف» الأقرب إلى قلبي؟ إنه المصري علاء الشربيني، ليس لوصفاته الشعبية؛ بل للطافة شخصيته وحلاوة كلماته وللأدعية التي تتدفق على لسانه العذب وهو يطبخ أو يتلقى نداءات المشاهدين. المهم ما يقول وليس ما يطبخ.