24 أبريل 2022

د. باسمة يونس تكتب: مديح مضلل

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

د. باسمة يونس تكتب: مديح مضلل

يستخدم الاختصاصيون النفسيون والدجالون والمحتالون وحتى الباعة الذين يرغبون في جذب المشترين لمنتجاتهم «تأثير بارنوم» لإيهامهم بأنهم يعرفون عنهم الكثير؛ بل وأكثر من الممكن أحياناً لتحقيق مآربهم. وأمكن لكثير من هؤلاء الاختصاصيين والعاملين في التسويق الحصول على الكثير من المعلومات من الشخص نفسه باستخدام تقنيات مختلفة مثل تحليل لغة الجسد ومعرفة العمر أو حتى الطريقة التي يرتدي بها الشخص ملابسه ومستوى تعليمه وأسلوبه في الحديث ومحل ميلاده.

ويتجلى تأثير بارنوم في عبارات يطلق عليها اسم «عبارات بارنوم» وهي بمثابة تعميمات تنطبق على أي شخص وليس على واحد معين بالذات مما يسهل تصديقها.

وينسب اسم «بارنوم» إلى مؤسس السيرك الأمريكي الشهير «بي تي بارنوم» الذي أطلق عليه اسم «بارنوم وبايلي» لتقديم عروض الخدع واشتهر بعبارته «في كل دقيقة يولد مغفل».
كما أطلق علم النفس على النظرية نفسها مصطلح «تأثير فورير» نسبة إلى عالم النفس «برترام فورير» الذي درس في 1948 ظاهرة «بارنوم» ليدرك بأن الناس يسهل الإيقاع بهم وتضليلهم عندما يتم امتداحهم ووصفهم بصفات إيجابية يصدقونها على الرغم من عدم توافرها فيهم.

وسميت الظاهرة باسم «تأثير فورير» بعد أن أجرى برترام فورير، تجربة سرية على طلبته في الكلية بإعطائهم اختباراً في علم النفس أطلق عليه اسم «التشخيص الفارغ». وبعد قيام 39 من طلبته بالاختبار، قام فورير، بإعطاء كل طالب رسماً يحتوي على عبارات غامضة وعامة وطلب من كل منهم تصنيف مدى جودته.

وبعد انتهاء الاختبار كشف فورير، عن قيامه بإعطاء جميع الطلاب رسماً متطابقاً، لكن غالبية الطلاب اعتبروا أجوبتهم مثالية وقريبة من الصواب.

ولاحظ أستاذ علم النفس في جامعة ولاية كاليفورنيا مايكل بيرنباوم، أن «تأثير فورير» يستخدم من قبل المشعوذين، فضلاً عن بعض الشخصيات الذين يدعون خبرتهم في التحليل النفسي والكشف عن الأمور الغامضة بينما كل ما يفعلونه استخدام «تأثير فورير».

وتصف الظاهرة سهولة الإيقاع بالناس والنجاح في ذلك عند امتداحهم ووصفهم بصفات شخصية إيجابية لا يمتلكونها بالفعل، لكنها تسعدهم ويحبون أن يوصفوا بها ولو كان الأمر غير حقيقي. كما تبرهن بأن العبارات لا تنجح في تضليلهم إن كانت سلبية أو تهدف إلى الانتقاد لأن الناس يجنحون إلى التشكيك في الأشياء والعبارات التي لا تغذي نرجسيتهم.

كما توصلت دراسات أخرى إلى أن الأشخاص الذين يؤمنون بالأبراج الفلكية ويصدقونها على سبيل المثال يميلون للاعتقاد بأنها تنطبق عليهم وتصفهم بالتحديد فيسهل تضليلهم وإغراؤهم للتعامل مع هؤلاء العرافين. كما يقدمون على شراء بعض المنتجات التي لا يكونون بحاجة إليها فعلاً، لأن المسوقين والباعة يستخدمون عبارات إيجابية محملة بصفات عامة ربما تنطبق على البعض منهم، لكنها لا تنطبق على الجميع.

وهكذا، أسهم حب الناس للمدح وعبارات الإطراء وكرههم للانتقاد في نشر هذه الظاهرة على أوسع نطاق في كافة أرجاء العالم، فالمدح ينشط منطقة مخططة في دماغ الإنسان، أكدت دراسات سابقة أنها المنطقة نفسها التي تنشط عند حصوله على مكافأة مالية. وكما هو معروف، فإن أداء الشخص الذي يتلقى مكافأة يكون أفضل بكثير من آخر لا يحصل على شيء.

 

مقالات ذات صلة