من سواحل المكسيك الصحراوية وصولاً إلى الغابات المدارية التايلاندية ومرورًا بأوروبا والشرق الأوسط، يحب الناس الروائح ذاتها ويكرهون الروائح ذاتها. لربما تثير هذه الحقيقة الدهشة الشديدة، فمن غير المعقول أن يتفق الجميع حول «أفضل رائحة» لشدة ما أن الثقافة تؤثر في الأذواق.
فهل يشترك فلاح من أوروبا مع صياد من الشرق ورجل أعمال من نيويورك في الميول «العطرية» ذاتها؟
يبدو أن الأمر كذلك إلى حد كبير، كما تؤكد العالمة آصفة ماجد وزملاؤها من جامعة أكسفود بعد أن ركزوا أبحاثهم على عزل جزئيات كل عطر واختبروا ما يحبه المشاركون في التجربة، وهم من تسعة بلدان ومن مختلف المناطق والمناخات، ويمارسون أنماط حياة مختلفة بين صيادين ومزارعي نحل وسكان مدن كبيرة وعصرية...
وقد دلّت النتائج على توافق مذهل بين الثقافات، حيث وضع غالبيتها رائحة «الفانيليا» على رأس قائمة الروائح المفضلة لديها تليها عطور الفواكه والحمضيات.
ولكن كيف يمكن تفسير هذا التشابه بين الثقافات؟
يبدو أن الإجابة التي تخطر على البال هي أن عملية التطور البشري قد وجهت بشدة أذواق البشر في مسألة الروائح. فمن الأفضل ألا تجذبنا ما يفوح من الأطعمة الفاسدة والجيف من رائحة في حين أننا نقتفي عطر فاكهة ناضجة أو رائحة طريدة حية وهذا حفاظًا على البقاء.
أما الاختلافات الطفيفة التي لوحظت فهي نتيجة عوامل فردية، أي خاصة بذوق الشخص وليس بسبب تأثيرات ثقافية، لأنه وبعد إجراء دراسات إحصائية معقدة، تبين أن العوامل الثقافية تشرح 6% فقط من الاختلافات الفردية، في حين أن أبحاثًا سابقة قد برهنت أن تقييم جمال الوجوه يعتمد بنسبة 50% على هذه العوامل الثقافية.
ونجد المثال الأكثر بلاغة على تأثير الثقافة ونمط الحياة لدى الشعوب التي قطنت مضيق بيرينغ واعتادت تناول السمك ولبن الغزال المخمّر. وقد أجبرت هذه القبائل على الانتقال من مواطن سكنها خلال العهد السوفييتي لكنها عادت إليها بعد انقضائه وحاولت أن تعود إلى نمط حياتها الموروث والقديم، بيد أن الكثير من الجيل الجديد لم يعد قادرًا على تحمل رائحة هذه الأطعمة التي لم يذقها في حياته.
ويبقى أن الاستثناء يثبت القاعدة والمشترك بين البشر يعود إلى أصول الحياة ومنابعها، عسى تنفع هذه المعلومة بعطر الفانيليا في شد أواصر التعاضد بين أفراد الجنس البشري الواحد.