هل من المفضّل المشاركة بكثرة في الأحاديث التي تدور في اللقاءات الاجتماعية من أجل ترك انطباع جيد في نفوس الحاضرين، أم من المفضّل الاقتصاد في الكلام حتى لا نثير الملل لديهم؟
مَن منّا لا يحب إعطاء الآخرين انطباعاً جيداً عن نفسه؟
تخيلوا أنكم تلتقون للمرة الأولى بزميل أو بعميل أو بشخص يثير إعجابكم، فهل يجب أن تكثروا الكلام أو تقِلّوا منه أو تعتدلوا فيه؟ هل يجب أن تبيّنوا مقدرتكم على الإصغاء، وهي ميزة محبوبة جداً، فتقتصدوا في الكلام، أم يستحسن أن تظهروا براعتكم فيه من أجل إثارة اهتمام محدِّثكم وتقديم صورة شيقة وودودة عن نفسكم؟
الشائع من الرأي يقول إنه قد يكون من الأفضل الإصغاء وعدم اجتياح المساحة الكلامية. فهذا السلوك من شأنه أن يظهر المرء على صورة الشخص المهذّب والمحترم صاحب تفكير بعيد عن السطحية. كما أن لا أحد أشدّ إزعاجاً من هذا الذي لا يترك أي مجالٍ لسواه حتى ينبس ببنت شفة أو ينطق بحرف واحد.
بيد أن هذا الرأي، على شيوعه، يجانب الصواب كما جاء في تجربة أجريت في جامعة فيرجينيا في الولايات المتحدة وقد تبيّن أن الأشخاص يحظون بإعجاب أكبر حين يتحدثون أكثر من الطرف الآخر ولكن بنسبة لا تتعدى %60 من مساحة الحديث.
وهذا يعني أن الاستراتيجية الأكثر أماناً تتخطى بقليل نصف الوقت وتتراوح بين 50 % و60 %، أما الأمان المطلق فهو في المناصفة لأن تخطي الستين في المئة يعطي نتائج معكوسة تماماً.
أصاب الرأي الشائع في اعتبار أن احتلال مساحة الكلام بالكامل يؤدي إلى نفور السامعين لكنه أخطأ في اعتبار أن الإصغاء وحده كفيل بإثارة إعجاب الطرف الآخر. فالكلام بين شخصين أو أكثر هو عبارة عن حوار يتجاذب فيه الحاضرون أطراف الحديث. وإذا كان الحديث يدور بين شخصين يكتفي أحدهما بالإصغاء يتولد لدى المتكلم شعور بأنه أمام محلّل نفسي أو شخص يتقصّد سبر أغواره من دون أن يكشف عن شيء في نفسه. وهذا من شأنه أن يثير الريبة في النفس وحتى النفور.
فلا تخشوا الكلام إذاً لأن الصمت مريب وتكلموا لكن باعتدال وإنصاف، لكن الأهم هنا يكمن في تحدٍ جديد وهو أن يكون مضمون الكلام مثيراً للاهتمام. وإن لم يكن الكلام المثير للاهتمام «في ما قلَّ» فهو بالتأكيد «في ما دلَّ».