بدأت قصة تشييد قصر فرساي في عام 1623 عندما أمر الملك لويس الثالث عشر ببناء نزل للصيد في ريف بلدة فرساي الصغيرة على مسافة 20 كيلومتراً جنوب العاصمة باريس، لكي يتمكن من المبيت فيه بعد الانتهاء من رحلات الصيد التي كان مولعا بها، إلا أن ابنه الملك لويس الرابع عشر كانت لديه خططاً أكبر لنزل فرساي والأرض المحيطة به.
تعرفوا معنا إلى تاريخ قصر فرساي العريق وكيف تطور عبر السنين من نزل صيد صغير إلى واحد من أكبر وأعرق القصور الفرنسية التي يزورها كل عام نحو 15 مليون زائر، مما يجعله أحد أكثر القصور الملكية زيارة على مستوى العالم.
قصر فرساي.. من نزل صيد إلى أكبر قصر في فرنسا
في عام 1661، كلف الملك لويس الرابع عشر المهندس الفرنسي «أندريه لو نوتر» بتخطيط وتصميم الحدائق الشاسعة المحيطة بقصر فرساي الذي كان قد بدأ في توسعته، وهو مشروع استغرق أربعين عاماً كاملة لإنهائه، ولذلك تعتبر حدائق فرساي هي الأروع في العالم. وعلى مدار عشرات السنين استمر حجم القصر في الازدياد، خاصة مع اتخاذ الملك والحكومة الفرنسية قصر فرساي مقرا لها في عام 1682.
وقد استمر تزيين القصر وتجميله من الداخل ببذخ يفوق الوصف، حيث تم رسم جميع الأسقف على يد أمهر الرسامين في ذلك الوقت، وتم صنع جميع أرضياته من أجود أنواع الأخشاب الطبيعية والرخام الإيطالي، كما تم طلاء جميع الكماليات الداخلية بالذهب الخالص.
يضم القصر 2300 غرفة ولأكثر من 5000 شخص
مع مرور السنين تضاعفت مساحة القصر عدة مرات، بحيث باتت تبلغ 63، 154 متر مربع، وتضم هذه المساحة الضخمة 2300 غرفة كان يقيم بها أكثر من 5000 شخص من الملك والعائلة الملكية إلى الحاشية وموظفي الحكومة والخدم والطهاة. ويعتبر قصر فرساي شاهداً على أحداث تاريخية لا تحصى، مثل معاهدة فرساي التي تم توقيعها هناك في 28 يونيو 1919 لإنهاء الحرب العالمية الأولى. لذلك ستشعر إذا قمت بزيارته بأنك قد عدت إلى الوراء عدة قرون، إلى أيام التألق والمجد الفرنسي وبذخ حياة القصور في القرنين الـ 17 والـ 18.
لا يمكن اكتشاف حدائق فرساي في يوم واحد
تعد حدائق فرساي إحدى أشهر وأكبر حدائق القصور الملكية في العالم وأكثرها تنسيقاً وجمالاً، حيث تبلغ مساحتها 8 كيلومتر مربع، وتحتوي على 372 تمثالاً رخامياً و600 نافورة وأكثر من 30 كيلومتراً من أنابيب المياه التي تم مدها في عهد لويس الرابع عشر لتغذية النوافير بالمياه والتي مازالت تعمل بكفاءة حتى الآن. تضم الحدائق أيضاً الآلاف من أنواع النباتات والأشجار المختلفة، وفي عطلات نهاية الأسبوع تقيم إدارة القصر عروضاً مائية يتم فيها تشغيل كافة النوافير على أنغام الموسيقى الساحرة ويختتم العرض بالألعاب النارية.
ولضخامة حجم حدائق فرساي، تم بناء فيلا كبيرة للملك للاستراحة فيها بعد تنزهه في الحديقة تعرف بـ «Le Grand Trianon»، وأخرى أصغر حجماً لـ «ماري أنطوانيت» تعرف ب «Le Petit Trianon» أو «الفيلا الصغيرة».
قاعة المرايا الشهيرة تضم 357 مرآة
بدأ العمل على قاعة المرايا الشهيرة في فرساي في عام 1678، تحت إشراف المهندس المعماري «جول هاردوان مانسارت»، وكان يتم إضاءة ثرياتها الكريستالية العملاقة بنحو 20000 شمعة في الحفلات والمناسبات الخاصة. وقد أصبحت قاعة المرايا واحدة من أهم وأشهر القاعات التي يضمها القصر حيث يزورها على مدار اليوم الواحد نحو 27000 زائر.
تضم القاعة العملاقة 357 مرآة، وجدير بالذكر أن المرايا في ذلك الوقت كانت من أغلى عناصر الديكور، وكان لا يبرع في صنعها سوى صانعي المرايا في مدينة البندقية التي كانت تحتكر هذه الصناعة آنذاك، إلا أن القائمين على بناء «قاعة المرايا» بفرساي تمكنوا من إغراء بعض صانعي المرايا الإيطاليين بالقدوم خصيصا إلى فرنسا لصناعة مرايا القاعة. ويقال إن حكومة البندقية في ذلك الوقت قامت بمراقبة حركة الحرفيين لمنعهم من مغادرة المدينة وفرضت عليهم عقوبات تصل إلى الإعدام.
تم تدمير بوابة القصر الذهبية خلال الثورة الفرنسية
مع كل هذا الترف والبذخ الذي كان يعيشه سكان قصر فرساي، لم يكن غريباً أن يكره الشعب الفرنسي القصر ومن فيه، خاصة مع ما كان الشعب يعانيه من فقر وجوع خارج بوابات القصر الذهبية العملاقة.
وكان أسلوب حياة «ماري أنطوانيت» شديد البذخ إلى حد الفجاجة، مكروها بشكل خاص بسبب إسرافها العلني على جميع الملذات. لهذا، خلال الثورة الفرنسية التي اشتعل فتيلها عام 1789، قامت حكومة الثورة بتفكيك البوابات الأمامية لقصر فرساي، والتي كانت مطلية بالكامل بالذهب، كانتصار للشعب الفرنسي الكادح وبرهان على انتهاء عصر القهر الذي كان يعيشه.
وفي عام 1979، تم إدراج قصر فرساي كموقع للتراث العالمي من قبل منظمة اليونسكو وذلك تقديراً لأهميته كمركز للقوة والثقافة والعلوم وأحد أعظم الإنجازات المعمارية والفنية في فرنسا خلال القرنين الـ 17 والـ 18.