تتزين سماء بحيرة البرلس في موسم الخريف من كل عام، بعشرات من مختلف أنواع الطيور النادرة، حيث تعد البحيرة المصرية الأشهر، بامتدادها الكبير على حدود محافظة كفر الشيخ، واحدة من أهم وأكبر المحطات الرئيسية للطيور المهاجرة في العالم، إلى جانب كونها واحدة من أهم المحميات الطبيعية في مصر.
تعد بحيرة البرلس واحدة من أقدم البحيرات الطبيعية في مصر، إذ يرجع تاريخ تشكلها إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث كانت تعرف في الماضي السحيق باسم «بحيرة بوطو»، قبل أن يحرف الاسم إلى «بوصير»، وهو الاسم الذي يرتبط في الميثولوجيا المصرية القديمة، بأساطير الخلق الأولى.
تكونت بحيرة البرلس، حسبما تشير العديد من الدراسات التاريخية، من عدة مستنقعات كانت تصل إلى داخل أرض الدلتا، حيث كانت توجد مدينة بوطو القديمة. وتشير هذه الدراسات إلى أن القبائل الشمالية التي استوطنت تلك المنطقة، هم واضعو أسس المدنية المصرية في ذلك الزمان الغابر، وهو ما تكشف عنه العديد من الكشوف الأثرية التي عثر عليها بالمنطقة.
يفتخر كثير من أهالي البرلس بتلك القصص التاريخية، التي تؤكد أنهم يمثلون السلالة المصرية الخالصة، وبأن مياه البحيرة التي تمتد على مساحات شاسعة تسجل تحت صفحة الماء، صفحات من تاريخ القرون السحيقة، وطبقات من ركام حوادث التاريخ عبر الأزمنة، وهو ما ذكره هيرودوت في كتابه الشهير عن مصر القديمة، عندما قال إن تلك المنطقة تخفي تحت مياهها العديد من الآثار القديمة، وعدد غير قليل من المعابد، من بينها معبد كبير كان يحتوي على ثلاثة مذابح، إلى جانب مجموعة من الجزر العتيقة التي اختفت حالياً تحت الماء.
ويصف علي باشا مبارك بحيرة البرلس في كتابه الشهير «الخطط التوفيقية» بأنها تلك البرية الواسعة التي كان يبلغ زمامها فيما مضى نحو خمسمئة ألف فدان، والتي كانت معدة لرعي الجاموس والبقر، حيث كانت تتجمع تصافي المياه في هذا الفضاء العظيم، لتكون تلك البحيرة عظيمة الامتداد طولاً عرضاً، والتي تتخللها العديد من الجزر، التي تتميز بمراعيها الوفيرة.
وقد كانت المواشي التي تسرح في تلك البراري كثيرة العدد، حتى قيل إنه كان لرجل يسمى النشاوي، من أهل مدينة بيلا الحالية، بقر لا يحصى عدده، ولا يعرف ما يؤخذ منه لكثرته، وقد كان على شاطئ البحيرة جملة من القباب لجماعة من الصالحين، يقال لهم الشرفاء العامرية، وقد تناثرت حول تلك القباب كفور صغيرة كان يطلق عليها «عزب الشرفاء»، تميزت بزراعة النخيل مختلف الأنواع، فضلاً على ما كان يزرع في رمالها مثل البطيخ المشهور بالبرلسي، إلى جانب كروم العنب الأسود والأبيض، والذي كانت الحبة منه تبلغ قدر بيضة الحمامة.
يحترف الغالبية العظمى من سكان البرلس حالياً مهنة الصيد، حيث تزدهر تلك الحرفة في مياه البحيرة مترامية الأطراف، فيما يعمل الجزء الباقي من الأهالي بالزراعة. وقد كان هذا التناغم الفريد في طبيعة المنطقة، سبباً في إدراجها في ثمانينات القرن الماضي ضمن قائمة المحميات الطبيعية في مصر، نظراً لما تتميز به من بيئة فريدة تضم ما يقرب من 135 نوعاً نباتياً برياً ومائياً، حولتها مع مرور الوقت إلى محطة رئيسية للطيور البرية المهاجرة التي تنتشر في البحيرة في مواسم الهجرة كل عام، ومن أبرزها طيور القنبرة قصيرة الأصابع، وأبو فصادة الأصفر، وهما نوعان مستوطنان غير موجودين في أي مكان آخر في العالم، إلى جانب الصواي والكبش، والنورس أسود الرأس والغر، والزرقاوي الأحمر النادر الوجود في العالم.
ويعد موسم هجرة الطيور أحد أهم المواسم التي يحرص خلالها العديد من هواة الطبيعة في مصر على زيارة بحيرة البرلس، للاستمتاع بمشهد الطيور المهاجرة التي تنتمي، لأكثر من 66 عائلة تضم نحو 24 نوعاً، بالإضافة إلى نحو 215 نوعاً من الطيور الزقزاقية، والعشرات من أنواع الطيور المغردة.
* تصوير: أحمد شاكر