من لا يتذكر سعاد حسني وهي تغني لـ «الواد التقيل» حسين فهمي وتصفه بأنه «تمثال رمسيس الثاني»؟ وها هو التمثال الأصلي الذي يزيد عمره على 3 آلاف سنة يحضر إلى باريس ويستلقي أمام زوار من المقدر أن يتجاوز عددهم المليونين. والمكان هو مجمع «لافيليت» الثقافي الذي يستضيف حالياً ولمدة 5 أشهر معرضاً عن ذهب الفراعنة وكنوزهم بكل سحرها وبهائها.
بيعت 145 ألف تذكرة لدخول المعرض قبل افتتاحه. إن هناك جاذبية قديمة بين الفرنسيين وبين كل ما يتعلق بمصر القديمة. وعلى الرغم من تراجع توزيع الكتب المصورة باهظة الثمن في السنوات الأخيرة، فإن المطابع ما زالت تنشر الأدلة ذات الورق الصقيل عن الفراعنة والمكتبات لا تتوقف عن بيع آلاف النسخ منها كل عام. إن نفرتيتي وتوت عنخ آمون ورمسيس هم الدجاجات التي تبيض ذهباً للمؤلفين وللناشرين. وبهذا فإنه من المتوقع أن يحطم المعرض الحالي الرقم القياسي الذي حققه معرض توت عنخ آمون الذي أقيم في صالة القصر الصغير في باريس، عام 2019، وجمع 1.4 مليون زائر.
يضم المعرض 180 قطعة من آثار مصر القديمة. شارك في افتتاح المعرض من الجانب المصري أحمد عيسى، وزير السياحة والآثار المصري، والسفير علاء يوسف ، سفير مصر لدى فرنسا، وعالم الآثار الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، والدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار. وفي الدليل يكتب دومنيك فارو، محافظ المعرض، بأن هناك ثروة في كل واجهة زجاجية. فالآثار هي نفط مصر الذي لا ينضب، ومورد سياحي لا تمتلك ما يماثله أي دولة أخرى في العالم. وبحسب شركات التأمين على هذا النوع من المعارض، فإن موجودات المعرض تشكل ثروة تقدر بمليار دولار. وقد أعارت القاهرة مومياء رمسيس إلى باريس بقلادته الذهبية التي يزيد وزنها على 8 كيلوجرامات. ويمكن لزبائن المعرض أن يشاهدوا، عبر التقنيات الإلكترونية، قبر الملكة نفرتاري وكأنهم حاضرون هناك.
في عام 1922، وعلى يدي عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، تم اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون في وادي الملوك على ضفة النيل مقابل الأقصر. كان اكتشافاً رائعاً ما زالت تدور التكهنات حتى اليوم حول الدور الحقيقي لكارتر فيه. وكان معرض سابق قد احتفى بالذكرى المئوية لاكتشاف المقبرة التي ضمت مومياء أكثر ملوك الفراعنة شهرة. لقد أهمل منافسوه على العرش ذكراه بعد وفاته، وكان يمكن للملك الصغير «توت عنخ آمون» أن يبقى طي النسيان في ظل وادي الملوك لولا هذا الاكتشاف الذي جعل منه أعجوبة تطوف متاحف العالم. إن مومياءه تعرض إلى جانب تمثال رمسيس الثاني في الصالة الكبرى لمجمع «لافيليت».
إن باريس هي محطة من محطات المعرض الذي تشرف عليه جمعية «إرث العالم» الأمريكية. وقد سبق أن حل في هيوستن وسان فرنسيسكو في الولايات المتحدة. ومن المقرر أن يطوف في 8 مدن أخرى في العالم، بعد باريس، وصولاً إلى أستراليا. وكانت الشركة نفسها قد نظمت معرض «توت عنخ آمون» المتنقل. ومما لا شك فيه أن مثل هذه الجولات هي «بزنس» يستفيد منه أصحاب الآثار وأصحاب الشركة التي يقول رئيسها جون نورمان إنه استثمار في المعارض الثقافية المتجولة. وقد بدأ التفاوض حول استعارة هذه القطع منذ 2014. وبفضل حصة مصر المجزية من الاتفاق يمكن صيانة ما يمتلكه البلد من آثار.
وافقت السلطات المصرية على نقل «التابوت الملكي» إلى فرنسا بشكل استثنائي تقديراً لجهود العلماء الفرنسيين الذين أنقذوا مومياء رمسيس الثاني وعالجوها من الفطريات بالأشعة السينية عام 1976. وبذلك تكون فرنسا الوحيدة التي تستقبل التابوت الملكي من جديد للمرة الثانية، بحسب وزير السياحة والآثار المصري. وقد جرى اكتشاف التابوت في خبيئة الدير البحري عام 1881، وهو مصنوع من خشب الأرز ومطلي باللون الأصفر ويمثل الملك بهيئة آدمية ولحية مستعارة مظفورة وقد تقاطعت يداه، ممسكاً بشارات الحكم من صولجان وسوط. كما يضم المعرض مجوهرات من الذهب والفضة الصلبة والتماثيل والتمائم.
جدير بالذكر أن سيتي الأول، والد رمسيس الثاني، نصبه ولياً للعهد وهو في سن الرابعة عشرة. وهو قد حكم مصر في الفترة من 1279 إلى 1213 قبل الميلاد لفترة 67 عاماً وشهرين، وكان يلقب بالحاكم الشريك لوالده، حيث رافقه أثناء حملاته العسكرية على النوبة وبلاد الشام وليبيا وهو في عمر الـ14. أما وفاته فكانت عن عمر ناهز 90 عاماً ودفن في مقبرة بوادي الملوك. وقد احتفل بأربعة عشر عيد (سد)، وهو العيد الذي يقام في العادة بعد ثلاثين عاماً من حكم الفرعون، ثم كل 3 سنوات خلال فترة حكمه.