«والدي العزيزين... إني راحلة».. والراحلة هذه المرة ليست الممثلة مديحة يسري وهي تودع عماد حمدي في فيلم بالأبيض والأسود من أفلام الخمسينات، بل هي الرسالة الشفهية التي فاجأت بها الأميرة الإسبانية صوفيا والدها الملك فيليب ووالدتها الملكة ليتيسيا، تمهيداً لمغادرة قصر العائلة في مدريد. من قال إن الفراخ لا تغادر أعشاشها حتى ولو كانت من ذهب وألماس؟
العائلة المالكة في إسبانيا
يبلغ ملك إسبانيا فيليب السادس من العمر 55 عاما، وزوجته الملكة الجميلة ليتيسيا أصغر منه بخمس سنوات. وبالمفهوم الحديث فإنهما ما زالا في أوج الشباب والحيوية. ومع هذا فقد شعرا بأنهما كبرا في السن وهما يودعان ابنتهما صوفيا مع بدء العام الدراسي الجديد، إنها «كتكوتة البيت». فهما قد رزقا بنتين: ايونور التي تبلغ من العمر 17 عاماً وصوفيا التي تصغر شقيقتها بعام واحد. أي أنها لم تبلغ سن الرشد بعد.
صوفيا في طفولتها
إن اسمها الملكي الكامل هو صوفيا دو بوربون إي أورتيز، وهي من مواليد 29 إبريل في مستشفى روبر الدولي في مدريد، وهي قد نشأت لصيقة بشقيقتها الكبرى ليونور وتحت رعاية مشددة من والديهما. ولدى معموديتها كانت عرابتها هي بالوما، جدتها لوالدتها. أما هواياتها فهي متعددة، مع ميل كبير للرياضة بكل أشكالها. وهي لن تدخل الكلية بكامل اسمها وألقابها الملكية بل سيناديها زملاؤها باسمها الأول المجرد، بدون ألقاب أو لياقات.
تحمل حقيبتها متوجهة إلى مقرها الجديد
برودة وقساوة الغربة
يقلق الآباء والأمهات على أبنائهم وبناتهم حتى لو كانوا ملوكاً وملكات. وها هي أصغر أفراد العائلة تستعد لدخول كلية أتلانتيك قرب كارديف، جنوب غربي بريطانيا. وهناك، في البقعة الغائمة المطلة على الأطلسي، تتهيأ الأميرة للتقدم لامتحان البكلوريا الدولية، وهو الأمر ذاته الذي فعلته شقيقتها ليونور قبل سنتين. صحيح أن المسافة بين البلدين ليست شاسعة، لكن الغربة هي الغربة. والطباع الدافئة المندفعة لشعوب المتوسط تختلف عن رصانة وبرودة الإنجليز وأهل ويلز.
إن حال الأميرة صوفيا يشبه أحوال أعداد مؤلفة من الشبان والشابات الذين يتركون بيت العائلة ويذهبون للدراسة في وطن آخر. بعضهم يذهب ليشق طريقه وحيداً ويقبل بأن يغسل الصحون لتدبير مصاريف دراسته، وهناك من يسافر لكي يتلقى العلم في جامعة مرموقة من ذلك النوع الذي يقصده أبناء الطبقات الرفيعة والمرفهة.
تحمل الأميرة حقيبتيها الكبيرتين بيديها وترسم ابتسامة واسعة على وجهها استعداداً للمغامرة. تجتاز البوابة الداخلية لقصر «زرزويلا» الملكي في مدريد حيث تتبادل الأحضان الأخيرة مع والديها. وبحسب الصور المنشورة لها فإنها تبدو سعيدة وفخورة بهذا الفصل الجديد من حياتها. وهو ما أطلقت عليه الصحف المحلية عنوان «وداع ملوكي». لكن نظرة حزن تعبر عينيها وهي تودع كلب العائلة «جان» من فصيلة لابرادور.
كلية أتلانتيك.. قصر داخل غابة
من المقرر أن تنتظم الأميرة في فصول مدتها سنتان دراسيتان في كلية أتلانتيك الواقعة في وادي «جلامورجان». وتشغل الكلية مبنى متعدد الأجنحة يسمى «قصر سان دوناتس» ويعود للقرن الثاني عشر. ورغم أنه محاط بالغابات الكثيفة فإن المبنى يبدو من بعيد مكاناً مخيفاً مثل سجن من القرون الوسطى، أو منزل مهجور تسرح في جنباته الأشباح ليلاً. وفي عام 1925 اشترى القصر الثري الأميركي وليام راندولف هيرست، مالك العديد من الصحف، وهو قد أعجب به بعد أن شاهد صورته في واحدة من مجلاته. وفي عام 1962 تحول القصر إلى حاضنة لكلية أتلانتيك. إن هدف هذه الكلية هو تأهيل شبان وشابات يساهمون في توطيد التفاهم العالمي والعمل القائم على المبادرات الفردية.
كيف ستفارق الأميرة صوفيا شمس مدريد لتغرق في غيوم ويلز وراء هذه الأسوار الحجرية الصماء؟ الجواب يكمن عند اجتياز بوابة القصر، فهناك سيرى الزائر جماعات من الفتية والفتيات من مختلف الأعراق والسحنات، يتحدثون ويمرحون وكأنهم في منتجع صيفي بهيج. إن الشباب قادر على خلق أجوائه المناسبة له حيثما كان. وإلى جانب المقررات الدراسية الجادة هناك حصص في «اليوغا» والرياضات الروحية الآسيوية وفي جلسات التأمل الهندية. وأهم ما في الأمر أن للقصر طريقاً ترابية خاصة تنزل حتى شاطئ البحر. هو المحيط الأطلسي بكل عنفوانه ومهابته. هل هناك مغريات أكثر من هذه؟
الأختان ليونور وصوفيا
تبدو صوفيا خبيرة بالمكان مسبقاً. فقد سمعت عنه وعن كل تفاصيل الدراسة من شقيقتها الأميرة ليونور التي أمضت العامين الماضيين في هذه الكلية. وبعد انتهاء دراستها توجهت كبرى ابنتي ملك إسبانيا لتدرس في كلية عسكرية. وهو تقليد عائلي تسير فيه على خطى أبيها وجدها الملك العجوز خوان كارلوس الذي تنازل عن العرش ويقيم حالياً في دبي.
مع مغادرة البنتين سيبدأ ملك إسبانيا وزوجته فصلاً جديداً من حياة ثنائية يتفرغن فيها لنفسيهما ولواجباتهما البروتوكولية، مع قلق مشروع وطبيعي على صوفيا وليونور. هل تتزوجان أميرين ذات يوم، وفق التقاليد الراسخة، أم يشطح بهما القلب نحو شاب من عامة الشعب؟ هذا ما لا يعرفه سوى المنجمون الذين يكذبون ولو صدقوا.