يجذب «شاطئ الغرام»، على ساحل مدينة مرسى مطروح، على الحدود الغربية المصرية، آلافاً من المصريين طوال شهور الاصطياف، للاستمتاع بتلك الأجواء الساحرة على شاطئ المتوسط، ويروي بصخوره العتيقة وتشكيلاتها الفريدة، واحدة من أروع قصص الحب في التاريخ القديم، وهي تلك القصة التي جمعت بين الملكة المصرية كليوباترا، والقائد الروماني الشهير مارك انطونيو.
شاطئ كليوباترا في الحقيقة شاطئان في شاطئ واحد، يطلق عليه السكان المحليون في مطروح اسم «شاطئ الغرام»، ويكتسب شهرة عريضة تجاوزت حدود الآفاق، إذ يعد الأفضل لدى كثير من المصطافين، رغم التنوع الكبير في شواطئ مدينة مطروح، التي تتمدد على شاطئ المتوسط بطول يزيد على مئة كيلو متر، حتى حدود مدينة السلوم الحدودية مع ليببا غرباً، حيث يظل الشاطئ هو الأكثر إقبالاً وزحاماً بالمصطافين، الذين يتدفقون عليه من مختلف الفئات الاجتماعية، للاستمتاع بطبيعته الخلابة، وإطلالته المميزة على المتوسط، وصخوره التي تمثل لوحة طبيعية نادرة، تقترب إلى حد كبير من صخرة الروشة في بيروت.
وقد اكتسب الشاطئ شهرة عريضة منذ أربعينيات القرن الماضي، حيث شهد تصوير أحد مشاهد فيلم «شاطئ الغرام» الذي يصنف ضمن أفضل مئة فيلم من كلاسيكيات السينما المصرية، وهو الفيلم الذي قامت ببطولته النجمة الكبيرة الراحلة ليلى مراد، وعرض هذا الفيلم في دور العرض السينمائية في مصر مطلع الخمسينيات، وحقق إيرادات كبيرة، ما دفع محافظة مطروح إلى إحياء ذكرى النجمة الكبيرة الراحلة بإطلاق اسمها على المسرح الصيفي للمدينة، الذي يقع على مقربة من الشاطئ، وعلى بعد أمتار معدودة من الصخرة التي ظهرت في مشاهد الفيلم، وشهدت مولد أحد أشهر أغاني ليلي مراد.
تحتضن صخور شاطئ الغرام ألوان مياه المتوسط في تناغم بديع، يظهر ألوان مياه البحر التي تتغير مع حركة المد والجزر، ما بين ألوان الأزرق الصافي. ومن العجب أن مياه الشاطئ تتميز بأمواجها الهادئة والأعماق المتدرجة، ما يجعلها آمنة للصغار والكبار على حد سواء، لكن ذلك لا يمنع تحذيرات مستمرة من قبل إدارة الشاطئ بحظر القفز من فوق صخور حمام كليوباترا الذي يتوسط الشاطئ، والذي يقال إن الملكة الفرعونية الشهيرة كانت تخلد إليه في أوقات معينة من العام، حيث كان يشهد هذا الحمام لقاءاتها السرية التي كانت تجمعها مع القائد الروماني الشهير قبل إعلان زواجهما، وتتويجها ملكة على مصر، خلال الحقبة الرومانية، قبل أن يشهد الحمام في مرحلة تالية تلك النهاية الدامية لقصة الحب الشهيرة بين الاثنين.
وقبل سنوات أولت محافظة مطروح أهمية خاصة بالشاطئ، فأنشأت بالقرب منه مسرحاً صيفياً يتسع لأكثر من ألف متفرج، وقد بني المسرح على الطراز الروماني الدائري، وتبدو في خلفيته الصخرة الرئيسية لحمام كليوباترا، كما يتميز المسرح بسعته الكبيرة التي تسمح بإقامة الحفلات والمهرجانات الكبيرة، إلى جانب إطلالته المميزة على الشاطئ الذي يقع على بعد نحو خمسة كيلومترات إلى الشمال الغربي من مدينة مطروح.
يعد حمام كيلوباترا في شاطئ الغرام واحداً من عشرات من الحمامات الفرعونية القديمة، لكنه اكتسب شهرته العريضة من ارتباطه باسم الملكة الفرعونية الأشهر كليوباترا، والتي ترجح كثير من الدراسات أنها كانت ذات جذور بطلمية. ويسجل التاريخ للملكة كليوباترا العديد من الأعمال العظيمة، قبل أن تقدم على الانتحار في عام 1930 قبل الميلاد، ولم يكن عمرها يزيد وقتها على 39 عاماً، بعد قصة حب عنيفة ربطتها مع القائد الروماني أنطونيوس.
بدأت تلك القصة، حسبما تشير العديد من المراجع التاريخية، عقب مقتل يوليوس قيصر حاكم روما، وقد وجهت الملكة كليوباترا وقتها الدعوة إلى قائده العسكري الأشهر لزيارة مصر، فاستجاب لها حتى يخضع البلاد لسيطرته، لكنه أعجب بجمالها فتزوجها. ومما يروى أن الملكة كليوباترا أمرت بشق هذا الحمام في تلك المنطقة النائية، لاستخدامه في التزين والتطهر بمياه البحر بعيداً عن الأعين.
يتميز حمام كليوباترا بتشكيله الصخري الفريد، فهو مغلق من الجانبين ومن أعلى أيضاً، لكنه يتميز أيضاً بوجود فتحات جانبية تسمح بمرور مياه البحر المتجددة إلى داخله مع كل حركة للأمواج، حيث تلعب الصخور دوراً في تدفئة المياه شتاء.
يروي حمام كليوباترا الفريد جانباً من قصة حياة تلك الملكة الفرعونية، التي أشعلت الجدل قبل شهور بالفيلم القصير الذي أنتجته شبكة «نتفليكس»، لكن كثيراً من المراجع التاريخية تقول بأنها تزوجت من أنطونيوس وأنجبت منه ثلاثة من الأبناء، وقد كان زواجه منها مخالفاً حسبما تقتضي لوائح القانون الروماني الذي لم يكن يسمح بالزواج من أجنبيات. وقد استفادت كليوباترا كثيراً من تلك الزيجة، إذ أعلن أنطونيوس أن كل الولايات الشرقية في الإمبراطورية الرومانية قد أصبحت ملكاً لكليوباترا، واختار الإسكندرية لتكون عاصمة للجزء الشرقي من الإمبراطورية الرومانية، وهو ما أثار غضب قادة الرومان، وعلى رأسهم أوكتافيوس الذي أعلن عليها الحرب، بهدف القضاء على المرأة الأجنبية التي تخطط للسيطرة على روما.
وهكذا، نجح أوكتافيوس في دخول الإسكندرية، لتتخلص كليوباترا من حياتها بتلك الطريقة الدامية المعروفة عندما استسلمت للدغة من حية الكوبرا، وإن ذهبت بعض المراجع التاريخية إلى أن أوكتافيوس تمكن منها بالفعل وقتلها، وهو ما يتوافق مع كثير من الدراسات التي تؤكد أنها الملكة الفرعونية الوحيدة التي لم يعثر لها على مقبرة حتى اليوم.
* تصوير: أحمد شاكر