28 ديسمبر 2023

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة "وليمة الفجيرة"

محررة في مجلة كل الأسرة

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة

لا شك في أن الطهي فن متطور لتصوير وتقييم حياة الشعوب، والدلالة على أسلوب حياتهم وتطور أساليبها، إضافة إلى تطور الأدوات والمكونات المتوفرة في كل مرحلة. كما يصفه البعض بمرآة تعكس الوجه الحضاري لكل حقبة زمنية، وتعبير صادق عن معانٍ اجتماعية سهلة الكشف عبر ثقافة الطّبخ والمائدة، وارتباطها بكل مظاهر الحياة، الإنسانية والمادية والفكرية. ومن هذا المنطلق نظّمت هيئة الثقافة والإعلام في الفجيرة، حدثاً تاريخياً ثقافياً بعنوان «وليمة الفجيرة»، بإشراف الدكتور دانيال نيومان، أستاذ الأدب العربي في جامعة دورهام بالمملكة المتحدة، بالتعاون مع خمسة طهاة محليين، من مختلف الجنسيات، وتمّ تنظيم الوليمة ضمن أجواء تاريخية، جمعت بين فنّ الموشحات، والموسيقى الأندلسية، والأطباق الشهية التي تم إعدادها بطريقة العصور الوسطى.

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة

رائحة الطعام المطبوخ ببهارات ومكونات قديمة كانت جاذبة ومثيرة للفضول لمعرفة طعمه، وكيفية إعداده، والحقبة الزمنية التي ينتمي إليها، وهذا ما تحدث عنه الكاتب المعروف الدكتور دانييل نيومان، قبل تقديم الطعام لضيوف الوليمة من المثقفين والأدباء، فهو متخصص في تاريخ الأطعمة العربية في العصور الوسطى، حيث تمّ إعداد قائمة من الوصفات والأطباق والمشروبات التاريخية ذات الطابع الأندلسي العريق، والتي استخرج الدكتور دانيال وصفاتها من المخطوطات التي تعود للفترة الزمنية بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلاديين، وقد تم تقديم الوليمة على طاولة مزينة بأضواء الشموع، وتشمل العديد من المقبّلات والعصائر التي يفوح منها ماء الورد الذي كان يستخدم بكثرة في العهد العثماني.

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة

أما بالنسبة إلى الطعام فقد احتوى على المقبلات حمص كساء، عدس مصفّى، عقيد بالعسل (خثارة اللبن بالعسل والتين)، أقراص السمك، والإدام (خل، زيت الزيتون، لفت مخلل)، وتم تقديمها مع نوعين من الخبز الأبيض المختوم، وخبز الدخن، ومشروب التمر الهندي.

والأطباق الرئيسية كانت عبارة عن الكامل (جمل محشي باللحوم والأرز وتم شواؤه لمدة يوم كامل على الحطب)، ودجاج بالقراصيا مع الأرز، والجوذابة (وهي دجاج مشوي فوق فطيرة من الموز والفستق)، الكسكس بالجوز ولحم البقر الشهي، وتم تقديم وجبة من السمك المحضر بثلاث طرق، في الوقت نفسه، مشوي ومقلي وبطريقة خيالية ومبدعة، والمغفر، وهو باذنجان مقلي، وكرنب مع العسل والخل، وتم تقديم عصير البوملي الرائع.

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة

وفي ما يخص أطباق الحلويات، فقد تم تقديم طبق من حلويات خبيص الجزر والمأمونية، والمشمش المحشي باللوز مع ماء الورد، وكعك القاضي الفاضل مع مشروب عصير الرمان المميز بنكهته.

وقد شارك في إعداد هذه الوليمة عدد من الطهاة المحليين، وهم أم خماس، أحمد عزام، مسعود الكندي، وعبير اللوز التي شاركت بإعداد أطباق الحلوى والمخبوزات والعصائر، وتقول «التجربة بالنسبة إلي جديدة وممتعة، ومفيدة في الوقت ذاته، فقد اكتشفت أن المقادير والنكهات متشابهة، أو متوارثة بيننا وبين الثقافات البعيدة والقديمة، ولكن طريقة الإعداد والمسميات هي التي قد تختلف. فقد قمت بإعداد المأمونية التي لا تختلف كثيراً عن طبق الرز بالحليب مع إضافة المزيد من ماء الورد، أما الخبز فقد أضفنا إليه حبة البركة والشومر وحبة الحلوة، وشعرنا بأن النكهة قريبة من أكلاتنا، ولكن هناك بعض الأطباق التي لم نعرفها، وما تعوّدنا على طريقتها من قبل».

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة

من جهته، تحدث الشيف مسعود الكندي، عن التحديات التي تجاوزوها بنجاح من أجل خوض تجربة فريدة من نوعها، غنية بالمعارف والمعلومات الثقافية «قدمنا عدة أطباق ومأكولات غريبة بالنسبة إلينا، ولكننا نجحنا في تجاوز هذا التحدي، واكتشفنا أسراراً جديدة في الطبخ، سوف اعتمد بعضاً منها في مطبخي، خصوصا التي أرى أنها مستساغة ومقبولة هنا، في دولة الإمارات».

أطباق وأجواء من العصور الوسطى على مائدة

وفي نهاية الوليمة، وبعد الانتهاء من تناول الطعام، لم يغفل منظمو الفعالية طريقة غسل اليدين في العصور الوسطى، حيث غسل ضيوف الوليمة أيديهم بمسحوق مصنوع من مكوّنات طبيعية، كان يستخدم قديماً، وتم صبّ المياه بأباريق نحاسية ذات تصميم عربي قديم، وهكذا، خاضوا «تجربة عثمانية» قديمة ممتعة.