تحوّل إلى متحف للمجوهرات.. قصر زيزينيا أجمل القصور الملكية وإحدى عجائب العمارة في مصر
يضيء قصر الأميرة فاطمة حيدر، ليالي حي زيزينيا العريق في مدينة الإسكندرية، ويبدو عندما يأتي المساء أقرب ما يكون إلى لؤلؤة نادرة، تغمر بألوانها البديعة ليالي مدينة الثغر المصرية، ليس فقط بما يضمه من كنوز تاريخية تقدر بنحو ألف وخمسمائة قطعة من أندر قطع المجوهرات في العالم، وإنما بما يتميز به أيضاً من معمار فريد، يجعله واحداً من أجمل القصور التاريخية في مصر.
يمتد قصر الأميرة فاطمة على مساحة تقدر بنحو 4185 متراً مربعاً، ويطلّ بواجهته الجنوبية الشرقية، على شارع أحمد يحيى باشا في منطقة زيزينيا، التابعة لحيّ الرمل بالإسكندرية، ويرجع تاريخ بنائه إلى عام 1919، عندما أمرت ببنائه في بادئ الأمر، زينب هانم فهمي، شقيقة المعماري المصري الشهير، علي فهمي، وكانت زوجة للأمير علي حيدر، أحد أحفاد محمد علي باشا الكبير.
لكن القدر لم يمهلها لكي تسكن فيه، إذ توفيت وابنتها فاطمة لم تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، فأكملت بناءه، وأضافت إليه جناحاً جديداً، ربطت بينه وبين الجناح الأصلي بممر، ثم انتقلت للإقامة فيه مع أسرتها، حتى قيام ثورة يوليو، قبل أن تفاجأ بإدراج القصر ضمن الأملاك الأميرية التي تمت مصادرتها، لتقيم فيه فترة من الزمن، ثم تغادره نهائياً، مطلع الستينيات، وتكتفي بالإقامة في شقة مستأجرة بالقاهرة، بسبب عجزها عن الإنفاق على رواتب الخدم، أو القيام بأعمال الصيانة اللازمة للقصر.
قصر زيزينيا.. تحفة معمارية فريدة
يصنف المعماريون المصريون القصر باعتباره تحفة معمارية فريدة من نوعها، حيث صُمم على طرازَي الباروك، والروكوكو الأوربيَين، ويتكون من جناحين، أحدهما غربي، والآخر شرقي، يربط بينهما ممر مستعرض، فيما يقع مرآب للسيارات في الركن الشمالي لفناء القصر الذي يحيط به سور من الحديد المشغول. يتكون الجناح الغربي للقصر من طابقين، و«بدروم»، إلى جانب غرفتين للخدم تم بناؤهما في أعلى السطح، ويتميز الجناح بأربع واجهات، تتميز هي الأخرى بخاصية ما يُعرف بالتماثل والتناظر، ويتجلي ذلك في الواجهة الجنوبية الشرقية التي تمثل الواجهة الرئيسية للقصر.
ويتوسط الواجهة مدخل بارز، تعلوه فرندة طائرة، يتقدمها سلم من الرخام الأبيض المتقاطع مع رخام أحمر على شكل سجادة، فيما يواجه الزائر تمثالان من الحديد الزهر، يمثلان جنديانّ بملابس من القرن التاسع عشر، يعملان كوحدة إضاءة، ويؤدي السلم إلى حجرة المدخل المحاط ببرامق بنائية، عليها أعمدة أيونية جصّية، تحمل عقوداً نصف دائرية، وقد فرشت الأرضية بالرخام الملوّن، ما بين الأحمر، والأبيض، والأصفر، والأسود، في تكوينات هندسية بديعة.
تفاصيل هندسية بديعة في قصر زيزينيا
يتصدر مدخل القصر الرئيسي باب من مصراعين من الحديد المشغول، فيما يعلو المدخل تاريخ بناء القصر، ويتميز الطابق الأرضي بنوافذ مستطيلة معقودة، تفتح على جميع واجهات الجناح، مغشاة بالحديد المشغول، وتكتنف هذه النوافذ دروع جصّية بيضاوية، فيما يفتح على المحور الرأسي لهذه النوافذ صف آخر من نوافذ مستطيلة، يدور بكل منها إطار جصّي، إلى جانب بانوهات مستطيلة في داخلها فروع نباتية، إضافة إلى أكاليل وعقود أزهار مصنوعة من الجص.
ويدور في أعلى واجهات هذا الجناح ثلاثة أفاريز جصّية من زخارف البيضة، والسهم، والنواية، والأسنان، والخشخانات، ويغطي ذلك كله كورنيشة مغطاة بقراميد مرسيليا، فيما يفتح على «البدروم» باب خشبي أسفل المدخل الرئيسي، ويتكون من بهو أوسط تحيط به ست غرف، ويتصدّره الحمام والمطبخ، وسلّم من الرخام مخصص للخدم يؤدي إلى السطح، مروراً بطوابق القصر العلوية.
أجمل قاعات الطعام في القصور الملكية
تعد القاعة الشمالية من القصر واحدة من اجمل قاعات الطعام في القصور الملكية في مصر، إذ تتميز جدران القاعة بتجاليد من خشب الارو المزخرف بالنحت البارز لزخارف نباتية، وتعلو ذلك رسومات زيتية على القماش، تمثل كيوبيد في مناظر أكل وشرب، لأنواع متعددة من الفاكهة، كالتفاح، والبرقوق، والعنب، على نحو يوضح أنها كانت القاعة المخصصة للطعام. أما السقف فهو مقسم إلى بانوهات جصّية غاطسة ذات زخارف نباتية، في حين فرشت الأرضية بالباركيه على شكل «زجزاج».
ولا ينافس تلك القاعة جمالاً سوى القاعة الشرقية، وهي عبارة عن قاعة مستطيلة تشبه الأولى في التجاليد الخشبية المزخرفة، لكنها تختلف في الرسومات التي تمثل حفل استقبال أوروبي، من القرن التاسع عشر، وتصوّر إحدى النبيلات المدعوات في الحفل في مشاهد استماع للموسيقي والمشاركة في أداء إحدى الرقصات الأرستقراطية الأوروبية.
وتتوسط السقف في تلك القاعة جامة مستديرة بداخلها رسوم زيتية لكيوبيد، أما الأرضية فهي من الباركيه المستخدم ةفيه أنواع ثمينة من الأخشاب، مثل الارو، والماهوجني، والجوز التركي، في تكوينات نباتية وهندسية منفذة بأسلوب الماركتري.
ويعد حمام القصر تحفة معمارية في حد ذاته، بما يحتويه من تصاميم فنية، حيث غطيت جدرانه ببلاطات من القيشاني، عليها مناظر لغابات، وجداول مياه تستحم فيها نساء فاتنات وسط أحراش، أمّا سقف الحمام فتتوسطه «شخشيخة» من الزجاج المعشّق بالرصاص، تمثل فينوس وهي تستحم، بينما تغطي الأرضية فسيفساء ملونة بديعة التكوين، بعضها مذهب.
عاشت الأميرة فاطمة حيدر في هذا القصر المنيف لنحو خمسة وعشرين عاماً، قبل أن تؤول ملكيته إلى الدولة، بعد قيام ثورة يوليو، وما صدر عنها من قرارات تتعلق بالتحفظ على ممتلكات أسرتها، ليتم حصر ثروتها وأملاكها، التي تمثلت في قصر زيزينيا، إلى جانب فيلا صغيرة في منطقة الهرم، ومساحة أرض تقدر بنحو ألف وخمسمائة فدان. وقد تم حصر قيمة هذه الأملاك، التي وصل ثمنها وقتها إلى نحو ١٦٩ ألف جنيه، قبل أن تقرر لها الحكومة المصرية مصروفاً شهرياً بنحو 50 جنيهاً، كان يصرف من وزارة الخزانة، والسماح لها بالإقامة في القصر كمستأجرة له، بشرط الحفاظ على محتوياته.
لكن الأميرة فاطمة لم تتمكن من تحمّل نفقات الإقامة في القصر، أو حتى دفع رواتب الخدم، فقامت بغلق الأدوار العلوية، لتسكن وأسرتها في «البدروم» الذي كان مخصصاً للخدم، وتعيش فيه لفترة، قبل أن تقوم بتسليم القصر إلى الحكومة المصرية، لتقوم الأخيرة بضمه إلى قائمة القصور الرئاسية.
واكتفت الأميرة فاطمة حيدر بالإقامة في شقة مستأجرة بالقاهرة في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تنتقل للإقامة بعد ذلك عند أحد أحفادها، حتى رحيلها عن عمر ناهز الثمانين عاماً، مطلع الثمانينيات، وهي الفترة التي قررت الحكومة المصرية فيها تحويل القصر إلى متحف خاص بالمجوهرات الملكية.
* تصوير: أحمد شاكر
اقرأ أيضاً: بالصور.. جولة استثنائية داخل متحف المركبات الملكية في مصر