22 يناير 2024

بلدة "حامات" في لبنان.. تحفة الطبيعة وأرض الكهوف والمغاور والدروب المتعرجة

فريق كل الأسرة

ممر السنديان الطبيعي
ممر السنديان الطبيعي

أنّى يمّمت وجهك على الشواطئ اللبنانية يلفتك أنها في اغلبها تتجاور، عن قرب شديد، مع الجبال وهضابها حتى تكاد تلتصق بها.. ولعلّ هضبة «رأس الشقعة»، في شمال لبنان، ومنها بلدة «حامات»، تعكس شدة هذا التلاصق أكثر من باقي المواقع، إذ إنها جرف جبلي يرتفع على علو 300 متر عمودياً، ويقترب انحناؤه من 90 درجة، وتلتصق صخوره بالشاطئ، بما يشكّل ظاهرة جغرافية تعتبر إحدى روائع الطبيعة في لبنان، والعالم.

بلدة

تعتلي بلدة «حامات»، على الساحل اللبناني الشمالي، هذه الهضبة، وتشكل معها ومع محيطها تحفة طبيعية وبيئية بما يجعلها قبلة سياحية، منقطعة النظير على شاطئ المتوسط، تجذب الزوار، من لبنان وخارجه، على مدار السنة.

بلدة

في كتابه «حديقة النبي» تحدث جبران خليل جبران، خلال زيارة له إلى «حامات»، عن «طريق سرية» وأنفاق بين شاطئها وأعالي جبالها، وعن ضباب شفّاف يحجبها في بعض الأوقات. ومصداقاً لما رآه هذا الأديب، يقول مختار بلدة «حامات»، لطفي صوايا، إن أنفاقاً عدة تخترق أطراف الهضبة، منها نفقان تركيان قديمان، وواحد أثري أُنشئ عام 1942 في ظل الانتداب الفرنسي، فضلاً عن اثنين حديثين أُنشِئا قبل الحرب اللبنانية عام 1975.

بلدة

«حامات» من أقدم البلدات اللبنانية، ومن أغناها بالبيوت التراثية، لاسيما ذات الأسطح القرميدية الحمراء، وبالآثار، واقربها عهداً الخان العثماني، إضافة إلى عراقة أديرتها التي بنيت على انقاض معابد أثرية، في طليعتها دير النورية، وهي ترتفع من صفر إلى 300 متر عن سطح البحر، وتبعد 25 كلم عن طرابلس، و60 كلم عن العاصمة بيروت.

بلدة

ويقول المختار صوايا إن بلدته «واحة متكاملة الأوصاف، فالطبيعة الخضراء تمتد على أكثر من 75% من مساحتها، وفي أرجائها كل أنواع النباتات والأشجار المنتشرة على سواحل لبنان والحوض الشرقي للبحر المتوسط، في طليعتها الزيتون المعمّر، والتين، والعنب، والسنديان، والعفص، والشربين، والقندول، والصنوبر، والصبير، والنخيل.. كما أن تربة هذه الهضبة بيضاء، وهي تعرف عند أهلها بالحوارة، حيث ترتفع فيها درجة الرطوبة أضعافاً عما هي عليه في التربة الحمراء، الأمر الذي يوفر بيئة زراعية مؤاتية جداً للزيتون، والتين، والعنب، من جهة، ولصناعة الترابة، من جهة ثانية».

بلدة

أمّا فرادة «حامات» منقطعة النظير، دائماً حسب صوايا، فإنها «تكمن في تكوينها الجغرافي، لكونها تقع على هضبة رأس الشقعة، المطابقة بمواصفاتها لشبه جزيرة، والتي يتدرج منحدرها الجبلي الحاد ليعرف، عند أسفله وفي محيطه، بمنطقة «حنوش» التي تحتوي على الكثير من المغاور والكهوف على الشاطئ الصخري، ومن هنا، فإن أحد التفسيرات لكلمة «حامات» باللغة السريانية، هو المياه الدافئة التي تتدفق من الينابيع العذبة، إذ هناك على الشاطئ 3 مغاور تتدفق من إحداها مياه نبع صالحة للشرب.

سد المسيلحة
سد المسيلحة

وعلى طول المنحدر الصخري الحاد والشاهق، تنتشر الأحياء السكنية، والبساتين، حتى الشاطئ، وتخوم القاعدة العسكرية الجوية للجيش اللبناني، في حامات ووجه الحجر، ومن أعلى الهضبة ينحدر الجرف الجبلي ليشكل سوراً صخرياً على الشاطئ، ومن الجهة المقابلة واد تقوم على مستهله قلعة المسيلحة، وسد كبير أنشئ حديثاً، وتقف قبالته قرية قرنعون السياحية والتراثية، ومن هناك ترتفع سلسلة تلال على امتداد البلدات البترونية العريقة بتراثها وصروحها الدينية التاريخية والأثرية».

دير النورية
دير النورية

ويركز صوايا على أن السياحة، لاسيما الدينية، متجذرة في «حامات»، حيث يؤمّ المؤمنون الأديرة، خصوصاً دير النورية الذي يشتهر ببنائه الأثري، ومحيطه البيئي والأخضر، خصوصاً صنوبراته المنحنية، ومن حدائقه الغنّاء يطلّ المرء على مشهد لا نظير له، من البحر امتداداً إلى طرابلس ومينائها، إلى البساط الأخضر في الكورة، وزغرتا، وبشري، وصولاً إلى ثلوج الأرز.

بلدة

أمّا السياحة الأثرية والتاريخية، فأكثر ما تتركز على قلعة المسيلحة، والآثار داخل «حامات»، إلى جانب المنازل القديمة، حيث تقوم القلعة فوق صخرة تعلو 50 متراً، وقد أطلقت ورشة إعادة ترميمها منذ عام 2007، وجدير ذكره أن القلعة رسمت على النقد اللبناني من فئة 25 ليرة، وأن الرحالة الفرنسي لاروك، نسب بناءها إلى الأمير فخر الدين المعني الثاني الكبير.

بلدة

وللسياحة الصيفية حصتها الكبرى والمميزة على شاطئ «حامات» الرملي، الذي يعتبر من أجمل الشواطئ، وأنظفها، على امتداد الساحل اللبناني، إذ تعمل هناك مؤسسات سياحية عريقة، بحيث يمكن للزائر أن يمارس كل أنواع الرياضات والنشاطات البحرية في بحر «حامات»، ومنطقة الهري التي تستضيف أفخم اليخوت في مجمعاتها البحرية. وأيضاً للسياحة القروية محطتها في «قرنعون»، المتجاورة مع قلعة المسيلحة، على مدار السنة، حيث تقام أفخم الأعراس والسهرات، وتنظم النشاطات والرياضات القروية والتراثية للعائلات والمجموعات، فضلاً عن المناسبات السنوية التقليدية والأعياد.

بلدة

كما أن للسياحة البيئية ساحاتها في «حامات» من المشي في الطبيعة، خصوصاً على الدروب التي أنشئت خصيصاً لذلك، إلى التمتع بالجمال الأخضر، وصولاً إلى تسلق الجبال الشاهقة. وفي أسفل «رأس الشقعة»، وقرب النفق الفرنسي القديم، أروع المناظر الطبيعية، وأهم محطات زوار المنطقة، وأهم الصور التي تُلتقط، سواء من البر أم من البحر.

بلدة

ويلفت صوايا إلى أن «المتمرسين بالمشي في الطبيعة يقصدون الأنفاق، والكهوف، والمغاور، والدروب الطبيعية المتعرجة، وتلك المنظمة، بخاصة أنه إلى جانب النفق الفرنسي هناك نفق تركي قديم، وآخر أكثر قدماً، فضلاً عن نفق السكة الحديدية، وهو بطول كيلومترين تحت «رأس الشقعة»، حيث إن الأنفاق تُعرف بأنفاق شكا، البلدة القريبة، رغم أنها تقع في بلدة «حامات».

بلدة

ولا ينسى صوايا الإشارة إلى الدرج الروماني، وممر المشاة المعلّق في «رأس الشقعة»، وحلقات وحبال معلّقة باتجاه البحر فوق النفق العثماني.

بلدة

أخيراً، يختم صوايا بالتأكيد أن أروع ما يمكن للمرء أن يتمتع به طبيعياً، هو حين يصل إلى الممر الطبيعي من السنديان، حيث تغيب الشمس كلياً، وطيلة ساعات النهار، وحيث ترتفع الرطوبة إلى أعلى درجاتها على مدار السنة.

* إعداد: شانتال فخري