رياضة المشي في الطبيعة «hiking»رياضة عالمية يمارسها المرء بشكل فردي، أو ضمن مجموعات منظّمة على مدار السنة، وفي ظل مناخات مختلفة. وفي السنوات الأخيرة تعززت هذه الرياضة في لبنان، واتّسع نطاق تنظيمها، وباتت ركناً أساسياً في السياحة الداخلية والبيئية، أو البديلة التي ازدهرت هي الأخرى.
مزرعة تفاح في زغرتا
يتعلق بعض الـ«hikers» بالطبيعة، والمشي في أرجائها، تعلقاً شديداً، ويقبلون عليها بقوة، فيقصدون المناطق طيلة الفصول الأربعة، ساحلاً ووسطاً، حتى أعالي القمم. سواء بإقامة دروب المشي، أو بارتفاع أعداد المرشدين السياحيين، إلى جانب المتخصصين بإعداد برامج متكاملة لدروبها في الطبيعة، وداخل القرى، وفي زيارة المراكز والمعالم الأثرية والثقافية والتاريخية والدينية والزراعية والصناعية المتواجدة في النطاق الجغرافي لرحلاتهم.
محمية ارز الشوف
وفق معاينة تجربتها، تبدو السيدة نضال مجدلاني، خير مثال عن المتمرّسين برياضة المشي في الطبيعة، وتنظيم الرحلات، الداخلية والبيئية، والتراثية والدينية، لكونها خبيرة بأمور السياحة الداخلية، وتسويق المناطق، وإبراز جمالها عبر مقالاتها، وعدستها المحترفة التي أنجزت «البوم» صور مميزاً لهذه الرياضة على امتداد الأراضي اللبنانية، من الشاطئ، وتحت الماء، إلى أعلى القمم والأودية السحيقة، ومن أقصى الشمال، إلى أقصى الجنوب والبقاع.
حاصبيا
وتلفت مجدلاني ألى أن الاهتمام الزائد بالمشي في الطبيعة والسياحة الداخلية لاقى أذناً صاغية من المواطنين، ووسائل الإعلام اللبنانية، بعد تفشّي فيروس «كورونا»، وبعد الأزمة الاقتصادية المستفحلة التي عصفت بلبنان في السنوات الأخيرة. وقد ترافق هذا الاهتمام مع تنامي إنشاء بيوت الضيافة على نطاق أوسع، والتركيز الكبير على الاقتصاد المنتج، والمشاريع، والمهرجانات، والمبادرات الخلاقة، زراعياً وصناعياً، وفي ميدان الأعمال اليدوية والحرفية.
عيون السمك
بدأت قصة مجدلاني مع المشي في الطبيعة منذ عام 2010، ودفعها حبها للطبيعة، وتقديرها لعطاءاتها، بالرغم من استغلال الإنسان وتدميره للنظم الأيكولوجية، إلى تعلّم وإتقان التصوير الفوتوغرافي بغية توثيق الجمال النادر الذي تشهده خلال تجوالها. وكان حصيلة هذا الحب، والإصرار على المحافظة على الطبيعة والتراث «البوماً» هائل التنوع والحجم، وفريداً من نوعه في لبنان، مع لقطات متجددة على مدار السنة.
جبال البترون
وفيما تؤكد مجدلاني أن تجوالها كشف عن أماكن وثروات كانت مخبّأة، وسعت إلى النشر عنها، ولكن ضمن احترامها للسياحة المسؤولة، وقدرة الطبيعة والمناطق لاستيعاب السيّاح، فإنها أول من رفع الصوت إلى ضرورة دعم المناطق الريفية لتثبيت الإنسان بأرضه، وقامت منفردة باستراتيجية لتطبيق ذلك، كما دعت إلى ثورة التشجير على أوسع نطاق، وسمّت مهمتها بـ «Traveling Lebanon» لكونها تسافر في كل لبنان، منذ أكثر من عشر سنوات.
بعلبك
صورها التي تتحدث عن جمال لبنان، وإرثه التاريخي والحضاري، ومشاويرها المحفزة، والتي لم تبغِ ربحاً إطلاقاً، استقطبت جهات عدة، للتعاون على الصعيد السياحي والبيئي، وفتحت المجالات لتدوين خبراتها منذ 2016 بمقالات مصورة. وقد توجت إنجازاتها باختيارها من قبل أشهر الجهات العالمية المعروفة بملايين المنشورات السياحية منذ نصف قرن، لتكون المرشد الوحيد لقسم لبنان، وتغطية كل الجوانب السياحية، ولتأمين أروع زيارة للبنان للسائحين في 2024 بحسب خبرتها العميقة.
جبال جبيل
وتقول مجدلاني «أعشق الطبيعة، وامضي فيها قسماً كبيراً من وقتي، في لبنان وخارجه، فهي تغيّر فينا الكثير، خصوصاً لناحية الاقتراب من الخالق، واكتشاف معنى الوجود وهشاشة الحياة»، وتزيد مجدلاني أن «المشي بحدّ ذاته دواء، وهو مفيد صحياً، ويساعد على التخلص من سموم الحياة وتشنجاتها، فكيف إذا كان في ظلّ طبيعة غير مدنّسة خالية من أي تلوث؟».. وتضيف «ألجأ إلى نقاء الطبيعة لأنسى مكر الإنسان، وفقدانه للإنسانية، فالطبيعة تعكس كرم ومحبة وعطاءات الخالق سبحانه، ومن خلالها شفاء الروح قبل الجسد»، مشدّدة «لن نترك أرضنا وبلدنا الأجمل، وما علينا إلا أن نتوحد بعيداً عن «الأنا» للنهوض بأجمل الأوطان».
وتؤكد مجدلاني أنها مشت في كل أرجاء لبنان، فوجدت أن التنوّع البيولوجي والاجتماعي والثقافي والديني والجغرافي والعمراني، على امتداد مساحته، يوفر بيئة ملائمة جداً لجذب العدد الأكبر من الراغبين في ممارسة هذه الرياضة، وأيضاً للعائلات من خلال رحلات منظمة، طيلة الفصول الأربعة.
وتلفت مجدلاني إلى أن المشي يتم ضمن مجموعات مدروسة لزيارة الأماكن والمعالم الطبيعية، والدينية، والثقافية، والأثرية، من متاحف ومطاحن قديمة، ومنازل مهجورة وشبه مهدّمة، وللقيام ببعض المشاريع التي تهدف إلى «مساعدة المزارعين على قطاف مواسمهم وإطعام الماشية والحيوانات، والتعرف إلى العادات والتقاليد والأعراف التراثية المحلية.. وعندما تنتهي الرحلة يتم تأمين اللازم لبقاء بعض المشاركين في المنطقة ليوم ثانٍ، أو أكثر».
الجدير ذكره أخيراً، أن المحميات الطبيعية وغابات الأرز والصنوبر والسنديان واللزاب والسهول الخضراء، والتحف الفريدة من القصور والفلل والمنازل القرميدية الحمراء، والأديرة والكنائس والمساجد والمدارس والجامعات والمتاحف والمراكز الثقافية، تنتشر في كل أرجاء لبنان.
«كل الأسرة» جالت مع مجدلاني، عبر بعض لقطاتها، على أبرز المناطق والمواقع التي تنظم الرحلات إليها على مساحة لبنان، ولعل من أبرز اللقطات: الهالة الشمسية النادرة التي تنذر باقتراب العاصفة، التقزّح اللوني للغيمة، وقوس قزح.. وغيرها.
* بيروت: شانتال فخري