10 يوليو 2024

د. باسمة يونس تكتب: الجانب السيئ للأمل والأسباب الوجيهة للمشاعر السيئة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: الجانب السيئ للأمل والأسباب الوجيهة للمشاعر السيئة

هل هناك أسباب وجيهة يمكن أن تصف المشاعر السلبية بإيجابية؟

هذا السؤال حاول الكاتب «راندولف نيسي»، أستاذ علم النفس والطب النفسي، الإجابة عنه في كتابه «أسباب وجيهة للمشاعر السيئة»، بطرق مختلفة، وجديدة، معتمداً بذلك على تجاربه مع المرضى الذين يعانون القلق والاكتئاب، وتحدّيات الصحة العقليّة الأخرى.

د. باسمة يونس تكتب: الجانب السيئ للأمل والأسباب الوجيهة للمشاعر السيئة

ويعتبر كتابه بمثابة دراسة دقيقة للغاية في علم النفس التطوري، مركّزاً على الاكتئاب والقلق، وغيرهما من «عيوب» قد تصيب بعض البشر، بالاعتماد على المقارنات والرسوم البيانية التي تبيّن تطوّر هذه المشاعر.

وتساعد، بصورة أكثر دقة، على توضيح الفرق بين الوسواس القهري والبارانويا، على سبيل المثال، حيث يظهر أنهما عكس بعضهما بعضاً، لأن الوسواس القهري هو الخوف من إلحاق الأذى بالآخرين، بينما جنون العظمة هو خوف الشخص من إلحاق الأذى بنفسه.

وناقش كتاب «نيسي» أيضاً، الاكتئاب والانتحار، ملاحظاً أن الأمل له جانب سيئ، لأنه يعمد إلى شلّ حركة الإنسان عندما يصل إلى درجة لا يعرف فيها كيفية الإقلاع عن شيء ما، أو المضي قدماً فيه، ما يؤدي إلى الاكتئاب الشديد، والانتحار أحياناً.

وكان «نيسي» واضحاً في كتابه بشأن حدود النظريات الحالية المختلفة لتطور العواطف، لا يحاول أن يقول إن أي تفسير واحد هو الجواب الكامل، بل ولم يقدم إجابات محدّدة.

رافضاً الإشارة إلى وجود غرض تطوري مباشر في الاكتئاب، أو القلق، لأن «الاضطرابات ليس لها وظيفة»، بل تمثل فائضاً مما يعنيه أن تكون إنساناً، فالمعاناة غالباً ما تفيد الجينات، ومن منظور جيناتنا هناك بالفعل أسباب جيدة وراء مشاعرنا السيئة.

إنه يرى هذه الاضطرابات بشكل آخر، فهي ليست مرضاً لكنها بالأحرى استجابة طبيعية، ومفيدة بطبيعتها للمرضى الذين يعانون نوبات الهلع، وأولئك الذين يعانون انخفاض الحالة المزاجية لفترة طويلة.

ويصرّ «نيسي» على أن «الطب النفسي التطورّي» لا يستطيع علاج الاضطرابات، أو الوقاية منها، ولكنه قادر على تناولها بشكل مختلف، وبأسئلة جديدة، فمثلاً اضطرابات الأكل قد تكون نتيجة محتملة لـ«الاستجابة التكيفيّة التنبؤيّة» في الرحم، وتتعلق بتأثير النظام الغذائي للأم، أو الجدة.

ويقدم في كتابه إطاراً لفهم كيف تكون العواطف ردود فعل طبيعية لمواقف معيّنة، وتعتمد على كيفية تفسير الشخص لها، وبأن بعض الأخطاء العقلية تحدث بسبب قيود الانتقاء الطبيعي.

وعوامل أخرى تجعلنا نأمل بأن يتم توفير علاجات أكثر فعالية للمصابين بمثل هذه الاضطرابات، والتي تحدث عندما تتغلب عليهم العواطف، أو تطغى على مشاعرهم.

ويلفت كتاب «نيسي» انتباهنا إلى أن علم النفس التطوري لا يزال مجالاً متطوّراً، وبالتالي هناك حاجة إلى المزيد من التجارب لإثبات بعض النظريات الموضحة في كتابه.

لكنه يشجعنا على النظر إلى العواطف بشكل مختلف، وبأنها أعراض قد تكون معقدة في كثير من الأحيان، ولكنها ليست، بالضرورة، أمراضاً خطرة، وصعبة، فالدماغ وإن كان لا يزال منطقة مجهولة لكن التطوّر منظور مغرٍ يمكن من خلاله تفسير الأمراض والسلوك البشري.

إنه كتاب إيجابي، ومكتوب بشكل جيد، ويسعى لعلاج الصحة العقلية، والتشخيص، والمستقبل ومملوء بالتفسيرات، والنظريات المحتملة المثيرة للاهتمام، ويقدم تفسيراً تطوّرياً للمرض العقلي، ولماذا نشعر بالقلق والاكتئاب بسهولة، وما هو سبب الفصام، أو الزهايمر.