عمدة باريس وهي تسبح في «السين»
أمام جمهور تجمع عند الضفتين واحتشد فوق جسر «ماري» وسط العاصمة، غطست عمدة باريس آن هيدالجو في «السين» وسبحت لمدة خمس دقائق. كانت ترتدي لباساً محتشماً للسباحة وتغطي عينيها بنظارة شمسيّة، ما المناسبة؟
منذ عقودٍ طوالٍ والنهر الذي يشطر مدينة النور إلى شطرين، مصاب بالتلوّث الشديد، الأمر الذي دفع السلطات إلى منع السباحة فيه، لكن اللجنة المنظمة لدورة باريس الأولمبيّة أعلنت بأن النهر سيكون صالحاً للسباحة ولاستقبال عدد من المنافسات الرياضيّة المائيّة.
وبفضل ذلك الإعلان الجذّاب، فازت العاصمة الفرنسيّة بحق تنظيم الأولمبياد، لكن كثيرين شككوا في إمكانيّة تنظيف النهر الذي كانت المصانع والمجاري ترمي بمياهها الثقيلة فيه.
ثم طلعت علينا مدام هيدالجو؛ لتؤكّد أن «السين» سيكون نظيفاً قبل افتتاح الدورة. ووعدت سكان العاصمة بأنها ستسبح فيه في موعد قريب، لكن الموعد تأجل عدة مرات، إلى أن وفّت العمدة بوعدها قبل أيام.
حيث سبحت السيدة الستينيّة في مياه بلغت درجتها 20 مئوية، وسبح بجانبها رئيس اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس 2024 ومدير شرطة العاصمة، وكانت هيدالجو في وقت سابق قد دعت خصمها السياسي الرئيس إيمانويل ماكرون للسباحة في النهر لكنه لم يلبّ دعوتها.
هل هي مجرد حركة استعراضيّة ذات مغزى سياسيّ؟ كأن هناك تنافساً بين نساء الحكم على استغلال الأولمبياد لتلميع صور أحزابهن، فقد سبق لوزيرة الرياضة أن سبقت العمدة وسبحت في «السين» بحجة الدعاية للدورة الأولمبيّة.
كل باريس تعيش على إيقاع الدورة وترقص على أنغامها، لقد أنفقت فرنسا ملياراً ونصف المليار يورو في حملة تنظيف النهر، غاص الغواصون في مياهه وأخرجوا نفايات من كل نوع: دراجات بخاريّة وسيارات صدئة وعربات أطفال وقناني زجاجيّة من كل نوع.
كانت هناك جثث أيضاً، وبعد سحب النفايات جاء دور التطهير الكيمياوي، تمت الحملة بنجاح وصارت هناك ثلاثة مواقع للسباحة في النهر، يرتادها الأهالي دون خوف من التقاط مرض جلدي.
قالت العمدة أمام كاميرات وسائل الإعلام: «لقد عملنا على استعادة النهر للأهالي». لكن التاريخ يقول: إنها ليست أول من سعى لتنقيّة النهر والسباحة فيه، فقد كان الرئيس الراحل جاك شيراك صاحب فكرة العوم في «السين»، عام 1988، عندما كان عمدة لباريس.
وبصراحة، يبدو الأمر مغريّاً لمن يسكن قريباً من النهر، هل أقوم بمغامرة العمر وأنزل للسباحة فيه وأنا أغني: «البحر بيضحك ليه...؟».