هذا السؤال قديم للغاية بحيث إنه لا يزال مطروحاً منذ عشرات السنين، منذ أن بدأ الأطباء النفسانيون يكتبون للمرة الأولى عن مجموعة من الأعراض التي بدأنا نشير إليها اليوم بما يعرف باضطراب طيف التوحد. فما هو الجواب العلمي؟
بعد أكثر من قرن من الزمان، لا يزال العلم يمدنا بالمزيد من المعلومات عن مرض التوحد، ومع ذلك تظل معرفتنا بهذا المرض غير مكتملة. يمكننا أن نقول بشكل قاطع إن التوحد موجود بالفعل في العائلات، ولكن الإجابة على «كيف» و«لماذا» هي أمر معقد، على أقل تقدير. في الواقع، هناك أكثر من 1000 تغيير جيني يمكن أن يؤثر في كيفية تواصل خلايا الدماغ لدى الأشخاص المصابين بالتوحد.
الجينات مقابل الصفات الموروثة مقابل السمات الوراثية
قبل الانتقال إلى موضوع بهذا الحجم من التعقيد، دعونا في البداية نشرح أمراً مهماً وبشكل مبسط. من المحتمل أنك سمعت عن الجينات والوراثة والموروثات، وتعتقد أنها جميعاً قابلة للتوريث، لكن هذا ليس صحيحاً في الواقع.
- الجينات التي نحصل عليها مباشرة من آبائنا وأجدادنا - مثل العين أو لون الشعر - موروثة.
- السمات الوراثية ليست موروثة. إنها بعض الأشياء التي نتشاركها غالباً مع أقاربنا، مثل العادات أو المهارات أو السلوكيات، إنها موجودة لكن لم يتم ترميزها في حمضنا النووي.
عندما يتعلق الأمر بجينات اضطراب مرض التوحد، فإننا نتحدث في الغالب عن السمات الوراثية، جين واحد أو مجموعة من الجينات التي تؤثر في نمو الطفل. بالطبع، يمكن أن تلعب العوامل البيئية أيضاً دوراً في كيفية التعبير عن هذه السمات، ولكن هذا موضوع آخر مستقل.
والمسألة المعقدة أيضاً، أن هناك العديد من أسباب التوحد التي هي جينية ولكنها غير موروثة، وتعني أن هناك تغييراً في جينات الطفل يكون جديداً ولم يتم رؤيته في والديه. من المرجح أن تؤثر هذه الأسباب الجينية للتوحد على جين واحد أو منطقة واحدة من الكروموسوم.
التوحد في الأشقاء
عندما يتعلق الأمر بالأشقاء، فإن البحث يكون أوضح. فحينما يتم تشخيص طفل ما بالتوحد، يكون لدى الطفل التالي الذي سيأتي فرصة أكبر بنسبة 20% للإصابة باضطراب طيف التوحد مقارنة بالطفل الذي لديه أشقاء أكبر سناً. وعندما يتلقى أول طفلين في الأسرة هذا التشخيص، ترتفع الاحتمالات إلى 32%. بيد أن هذه الإحصائيات لا تعطينا الكثير من التبصر في الواقع الذي يعيشه أشقاء المصابين بالتوحد، وذلك لأن أعراض التوحد وشدته تختلف من طفل لآخر.
أنواع عديدة من التوحد
التنوع العصبي هو مجرد تنوع. من المهم وضع ذلك في الاعتبار عند التفكير في موضوع التوحد في العائلات.
لماذا؟ عندما نتحدث عن التوحد، فإننا نتحدث عن مظلة تشخيصية تغطي العديد من أنواع اضطرابات النمو المختلفة. يختلف الدور الذي تلعبه الجينات في التوحد بناء على الحالة المعنية. لا يوجد «جين توحد» واحد يمكن لمقدمي الرعاية الصحية اختباره. في الواقع، ليس من الممكن دائماً تحديد السبب الجيني للتوحد.
من المهم أيضاً ملاحظة أن الجينات لا يمكنها بالضرورة تحديد شدة الأعراض. بمعنى آخر، من المحتمل أن شقيقين لهما نفس تشخيص التوحد يمكن أن يعانيان من الحالة بشكل مختلف.
اضطرابات الجين الواحد مقابل اضطرابات الجينات المتعددة
ربما يكون اضطراب الجين المفرد الأكثر شهرة الذي يسبب اضطراب طيف التوحد هو متلازمة X الهشة. تشمل الاضطرابات أحادية الجين الأخرى متلازمة ريت والتصلب الحدبي.
من الواضح جداً أن بعض الاضطرابات المتعلقة بالتوحد وراثية ويمكن أن تنتقل بناء على الجينات الوراثية للفرد.
على الرغم من عدم وجود قواعد صارمة، فغالباً ما يعاني الأطفال المصابون باضطرابات الجين الواحد من أعراض التوحد الحادة، بالإضافة إلى مشكلات أو عاهات صحية أخرى.
ببساطة: من غير المحتمل أن يضطر الطفل المصاب بالتوحد نتيجة لاضطراب في جين واحد إلى الانتظار سنوات للحصول على التشخيص، لأن الأعراض أكثر حدة ويمكن التعرف إلى السبب بسهولة.
الأمر المهم الآخر أن غالبية الأطفال المصابين بالتوحد لا يعانون اضطراب جين واحد، إذ على مستوى السكان، من الشائع أن تعمل عدة جينات مختلفة معاً، ربما جنباً إلى جنب مع العوامل البيئية، لتكون السبب وراء تشخيص التوحد.
عادة، يولد الطفل المصاب بالتوحد لأبوين غير مصابين بالتوحد. وغالباً ما يكون السبب مزيجاً من العوامل التي تؤدي إلى التوحد. هذا يعني طباً فردياً للغاية، مما يشير إلى أن تحديد سبب التوحد لطفلك، سواء كان اضطراباً واحداً أو متعدد الجينات، يتطلب عادة اختباراً جينياً لكل حالة.
دور نقص الانتباه وفرط الحركة
لفترة طويلة، عالجت الجمعية الأمريكية للطب النفسي اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحد باعتبارهما حالتين متنافرتين، بمعنى أنه يمكن أن يكون لديك اضطراب مرض التوحد أو اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، ولكن ليس كلاهما.
تغير ذلك في عام 2015، عندما تم إصدار الإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية، المعروف باسم DSM5. في السنوات التي تلت ذلك، كان العلماء يحاولون جاهدين فهم كيفية ارتباط هذه الظروف وعدم ارتباطها. الآن بعد أن أصبح من الممكن تشخيص كل من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة واضطراب طيف التوحد، أدرك بعض الأشخاص الذين يسعون لتأسيس عائلة أنهم تعرضوا في طفولتهم لسوء التشخيص أو ضعف التشخيص.
وفقاً للأدبيات العلمية، فإن 50% إلى 70% من الأطفال المصابين بالتوحد يعانون أيضاً اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة. ولكن هناك أيضاً أدلة متزايدة تشير إلى أن الإصابة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة قد تزيد من فرص إنجاب أطفال مصابين بالتوحد. وجدت دراسة أجريت عام 2014 أن الأمهات المصابات باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لديهن فرصة أكبر مرتين ونصف في إصابة طفلهن الأول بالتوحد.
عوامل خطر محتملة أخرى
نعلم أيضاً، من الناحية الإحصائية، أن اضطراب طيف التوحد أكثر شيوعاً عند الأطفال:
- الذكور
- الولادة المبكرة للغاية (قبل 26 أسبوعاً من الحمل).
ولكن هل هناك حالات أخرى، مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، يمكن أن تساعد في التنبؤ بما إذا كان طفلك سيصاب بالتوحد أم لا؟.. ربما.
وفقاً لدراسة أجريت عام 2019، فإن وجود تاريخ عائلي من الاضطرابات العقلية والعصبية قد يزيد من احتمالية إصابة الطفل بالتوحد. وجدت دراسة أخرى أن أشقاء الأطفال المصابين بالتوحد كانوا أكثر عرضة للإصابة باضطرابات نفسية أو اضطرابات النمو العصبي مثل القلق والفصام واضطراب ثنائي القطب والتشنجات اللاإرادية مثل متلازمة توريت. هذا يشير إلى أن هذه الشروط قد تكون مرتبطة. هناك شيء واحد مؤكد: إذا تم تشخيص إصابة أحد أطفالك بالتوحد، فيجب عليك مراقبة أطفالك الآخرين عن كثب، وتقييمهم إذا كانت لديك أية مخاوف.
التدخل المبكر مهم
ربما سمعت القول، «المعرفة قوة». هذا صحيح بشكل خاص عندما يتعلق الأمر باضطراب طيف التوحد.
إذا كان لديك طفل مصاب بالتوحد ولديك مخاوف بشأن طفلك الآخر، فإن التدخل المبكر هو المفتاح. إنهم معرضون لخطر أكبر، لذلك يجب أن تتحدث إلى الطبيب وأن تحصل على إحالة لرؤية طبيب الأطفال في وقت مبكر وليس في وقت لاحق.
التوحد ليس «خطأ» أحد
في كثير من الأحيان، عند البحث عن إجابات لأنواع الأسئلة التي نطرحها هنا، تقع أعيننا على مواقع إنترنت تحاول إلقاء اللوم على أحد الوالدين في تشخيص اضطراب طيف التوحد لدى الطفل.
كما نأمل أن أوضحنا هنا، فإن الجينات الوراثية للتوحد معقدة، ولا يوجد شيء يمكنك فعله أو عدم فعله لمنع طفلك (أو أطفالك) من الإصابة بهذا الاضطراب. ببساطة: أنت غير مذنب ولا ينبغي أن تشعر كذلك.