خلال الشهور الأخيرة أجبر الحظر بسبب انتشار فيروس «كورونا» الكثير من الأزواج والزوجات حول العالم بأكمله على البقاء معاً في المنزل، تلاشت حواجز كثيرة بينهما لكن في النهاية يبقى لكل منهما عاداته الخاصة وميوله وخصوصياته التي لا يريد أن يطلع أحد عليها حتى ولو كان شريك حياته.
«باسوورد الموبايل».. أحد أبرز الأمور الخلافية بين الزوجين، فالبعض لا يسمح لزوجته أن تتجسس عليه ولكنه يخترق كل شيء يخصها دون استئذان، ويرفض تماماً أن تغير زوجته «باسوورد الإيميل» أو «الموبايل» دون أن يعرف السبب أولاً و«الباسوورد» الجديد ثانياً، ويرى دائماً أن ما يحق له لا يحق لزوجته وأن مراقبته عليها «مبررة ومطلوبة».
وعلى الجانب الآخر، نقلت شكاوى الزوجات معاناة حقيقية تعيشها بعضهم مع الزوج «الحويط» الذي لا تعرف عنه شيئاً، لكن الفضول يقتل الكثيرات، وهناك العديد من النساء يفعلن المستحيل لمعرفة التفاصيل الصغيرة عن أزواجهن.
طرحت «كل الأسرة» هذه المشكلة وتداعياتها على عدد من أساتذة الطب النفسي والعلاقات الأسرية والتربية لمعرفة تأثير هذا الأمر في استقامة العلاقة الزوجية، وسألت: هل يؤدي ذلك إلى خلافات قد تصل للطلاق؟ كيف تتعامل الزوجة مع هذا النوع من الأزواج؟
الحب يحتاج لوقت والثقة تحتاج لوقت أكبر
في البداية، تؤكد الدكتورة عزة فتحي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة عين شمس، أن أهم مقومات استقرار الحياة الزوجية الصراحة ووجود ثقة متبادلة بين الطرفين والشك من أكثر الصفات التي يمكن أن تتواجد بين الزوجين، وتتسبب في المشكلات وإصابة المنزل والأسرة بحالة من الملل والروتين، وغالباً من يعاني من الزوج أو الزوجة تلك الصفة يصاب بالفشل في الحياة الزوجية والأسرية. فالزوجة مثلاً التي تعاني الشك تضع زوجها وكل أفعاله تحت المراقبة بشكل دائم، مما يتسبب في جعل الحياة الزوجية جحيماً، وتتولد الكثير من المشكلات التي تأتي نتيجة فقدان الثقة المتبادل.
وتقول فتحي «التدخل في خصوصية الغير يسبب مشاكل كثيرة جداً، أولاها الشك والقلق عند كل شخص يقوم بذلك، لذلك فمن المهم جداً أن نحترم الحدود الشخصية لكل فرد، وحدودنا النفسية ليس من المستحب اختراقها، ولو سمحنا للشريك باختراق الهالة المحيطة بنا فإن هذا يتسبب في مشكلات متعددة في الزواج. والأفضل في حالة الشك أن نقوم بالمواجهة فهي أسلم طريق لحل هذه الشكوك، لكن بما لا يهدم جدار الثقة بين الزوجين.
وتؤكد أستاذة علم الاجتماع أن الحب يحتاج لوقت والثقة تحتاج لوقت أكبر والحياة الزوجية مثل العمارة التي نبنيها تتكون من أدوار وطوابق، وهي تحتاج لوقت لكي نبني دوراً تلو الآخر، وهذه الأدوار تبنى بالثقة والاحترام والمودة وبالحب.
"البعض يعتقد أن الزواج استباحة للخصوصية بين الزوجين دون حدود"
أما المعالجة النفسية الدكتورة إيمان السيد، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية، فتحذر من حالة الريبة والحذر التي أصبحت تصيب الشباب من بداية العلاقة وطالبتهم بعدم الاستسلام لهذه الحالة، التي تدمر العلاقة الزوجية وبلا رجعة.
وتؤكد د. إيمان السيد أن الفارق بين الغيرة الملتهبة والشك خيط رفيع يفشل بعض الأزواج والزوجات في التفرقة بين الغيرة، التي حثنا عليها الإسلام وغرستها فينا الطبيعة البشرية، وتلك الغيرة التي تفسد حياة صاحبها وكل من حوله وفي بعض الأحيان تكون نتيجتها ما يفوق خيال الزوجين من نهاية مأساوية، ويبدأ الندم في وقت لا يفيد فيه الندم. وتضيف «البعض يعتقد أن الزواج استباحة للخصوصية بين الزوجين دون حدود، لكن في الحقيقة أن كل شخص يكون له أحاسيس عميقة لا يرغب أن يطلع عليها أحد ولحظات تأمل لا يشاركه بها أحد وآراء وتصورات لن يجدي البوح بها لأحد وتفاصيل مشروعة لا يمكن الإفصاح بها لأحد».
"الشك من أكثر الصفات السلبية، التي تؤثر بقوة في الحياة الزوجية، وتتسبب في المشكلات الكبيرة."
ومن جانبه يؤكد الدكتور حاتم صبري، أستاذ الطب النفسي وخبير العلاقات الأسرية وتعديل السلوك، أن الفوضى في التعامل مع الخصوصية تدمر العلاقة الزوجية، لأن لكل طرف خصوصية بالنهاية. ويشدد أنه في حالة الزواج من شخص شكاك، يجب أن تتعامل معه الزوجة بطريقة معينة تعتمد على الصراحة في كل شيء.
ويقول د. صبري «لمشاعر الغيرة تأثير محمود في النفس، فعندما يشعر شريك الحياة بأن شريكه يغار عليه يصبح سعيداً، لأنه تأكد من حب شريك حياته له، فالغيرة المقبولة تبقي الحب يقظاً في القلوب.
وحول طريقة التعامل مع الزوج الشكاك، يبين د. حاتم صبري «تتطلب أولا معرفة الأسباب التي تجعله يشك في تصرفات زوجته، هل هو خطأ في التربية والنشأة؟ أم أنه واحد من أولئك الأشخاص متعددي العلاقات النسائية، مما يجعله يشك في تصرفات جميع النساء؟ أم الأمر له علاقة بتصرفات الزوجة التي تتم بحسن نية؟
فمثلا ترغب المرأة خلال فترة الخطوبة بالشعور أنها مرغوبة فتبدأ في إثارة غيرة الرجل، وفي كثير من الأحيان بدون قصد، تتحدث مثلاً عن عدد الرجال الذين يرغبون في الارتباط بها، مما يثير غيرة الرجل فتتحول الغيرة إلى الشك ثم تتغير إلى شك مرضي، مما يجعله يشك في جميع تصرفاتها بعد الزواج».
ويرى د. حاتم صبري، أن الزوجة الشكاكة التي تبحث دائماً عن معرفة «باسوورد الموبايل» الخاص بزوجها، وتتلصص أخباره كثيراً، تعاني مشكلة التخيلات والإحساس بعدم حب زوجها أو أن زوجها لا يحبها ولا يهتم بها وبأمورها، لذا فإن كل تصرفاته تكون محل شك دائم، وهذا الشك قد يكون تم بناؤه على أسباب حقيقية أو على أسباب من وحي خيالها، ولكن بأي حال من الأحوال فإن الشك من أكثر الصفات السلبية، التي تؤثر بقوة في الحياة الزوجية، وتتسبب في المشكلات الكبيرة. ويوضح الدكتور حاتم صبري، أن هذه الزوجة الشكاكة تجدها كثيرة في إلقاء الأسئلة، ودائمة الإصرار على أن تعرف كل ما يقوم به الزوج من أمور وتحركات، وأين يذهب، ومع من يتعامل، وحتى بعد حصولها على الإجابات لا ترتاح ولا تهدأ ولا يزول شكها، وهذا النوع من الزوجات أو الأزواج، أحياناً، دائماً يعتقد أو يحس بأن زوجها يخفي عنها الأمور أو يكذب عليها.