تداعيات كثيرة ولدت من مخاض أزمة «كورونا»، تلك الجائحة التي بلا شك غيرت مسار حياة كثيرين، إلا أنها أفرزت أيضاً عن كثير من الشائعات حول بعض القضايا ومنها ارتفاع معدلات الطلاق بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ليقر الواقع غير ذلك وفق روايات المعنيين بالتعامل مع تلك المشكلات.
«كل الأسرة» توجهت إلى قسم الإصلاح والتوجيه الأسري بمحاكم دبي للحصول على إجابات وافية:
تراكم القضايا وتوقف المقابلات
يقول خالد يحيى الحوسني، رئيس محكمة الأحوال الشخصية في محاكم دبي،
«جاء قرار المحكمة في الأول من إبريل الماضي بتعليق توثيقات عقود الزواج والطلاق حتى إشعار آخر لسببين الأول، كان استجابة للإجراءات الاحترازية والوقائية الصحية والاستباقية لمنع انتشار فيروس «كورونا» وللحد من التجمعات في مثل هذه المناسبات، والسبب الثاني، تمثل في أن قضايا الطلاق تحديداً تتطلب جلوس الشخص وجهاً لوجه أمام موجهي الإصلاح وهو أمر غاية في الأهمية إذ يترك مجالاً للتعبير عما يجول في النفس من شكوى وألم وربما ينتهي الخلاف من جلسة أو اثنتين، فدائماً ما نؤكد أن وسائل الصلح من حق طرفي النزاع، وهي نقطة كان يصعب تحقيقها في فترة التعقيم الكامل».
"لم تفرز أزمة «كورونا» أنواعاً جديدة من الخلافات الأسرية"
ويكمل «اقتصر العمل خلال فترة معينة على توظيف التقنيات الحديثة لإتمام إجراءات الأحكام القضائية وأرشفة الملفات إلكترونياً، بجانب تقديم النصح والإرشاد لمن يطرق باب الإصلاح الأسري، وعندما استعادت المحكمة نشاطها كاملاً واجهنا زحاماً شديداً من قبل المراجعين، الذين جاؤوا يطلبون استكمال إجراءات الطلاق التي بدأوها قبل فترة، إلى جانب النظر في الحالات الجديدة، وهو ما يعكس أن زيادة الضغط ليس أساسها ارتفاع معدلات الخلافات والمشكلات الزوجية في فترة الجائحة، بل جاءت نتيجة تراكم القضايا وتوقف المقابلات وجهاً لوجه بين الموجهين الأسريين وأصحاب الشكاوى المقدمة».
ويلفت «لم تفرز أزمة «كورونا» أنواعاً جديدة من الخلافات الأسرية، بل ظل الوضع على ماهو عليه إذ ما زالت تحتل قضايا العنف الأسري المرتبة الأولى بمختلف أنواعها سواء كانت إساءة جسدية أو لفظية، يلي ذلك الهجر والخيانة، وأود هنا أن أركز على نقطة مهمة وهي أن أغلب المشكلات تنشب لعدة أسباب منها التأثير السلبي لمشاهير وسائل التواصل الاجتماعي في أفراد الأسرة، إذ يسلطون الضوء على جانب واحد في حياتهم المتعلق بالترفيه ورغد الحياة وهو ما يشعل الخلافات في البيوت لعدم توافر مثل تلك الحياة والتي أراها زائفة، إضافة إلى تأثير لا يقل خطورة عن سابقه وهو تقديم النصح والإرشاد من أشخاص ليسوا ذوي خبرة في مجال التعاملات الزوجية والإصلاح الأسري وغيرها، فمن وجهة نظري الشخصية أرى أن هؤلاء بمثابة القنبلة الموقوتة التي تدمر كثيراً من العلاقات الزوجية الطيبة، ولا نغفل مشكلة أخرى وهي التسرع في اتخاذ القرارات والتي تعد صفة أبناء الجيل الحالي الذين يتسرعون في قرار الزواج وعند أول مشكلة تواجههم يبحثون عن أسهل الحلول وأسرعها وهو الطلاق، وهي حقيقة مشكلة كبيرة يعانيها مجتمع المتزوجين حديثاً».
انخفاض نسبة تسجيل حالات دعاوى طلاق 40%
حول التحول الذكي في المحاكم، يقول أحمد الشحي، رئيس شعبة إدارة الجلسات الأسرية بمحكمة الأحوال الشخصية بدبي «إن التشريع لا يسمح بإدارة العملية القضائية بالكامل من خلال التقنيات الحديثة، وما قامت به المحاكم في فترة التعقيم هو توظيف للتقنيات الذكية في عملها الذي لا يتعارض مع التشريع، إذ عكفت المحاكم على إنهاء إجراءات الأحكام القضائية، بحيث يكون التوقيع عليها إلكترونياً وكذلك أرشفة الملفات، ورغم الإغلاق المؤقت في فترة التعقيم إلا أننا كنا نؤدي عملنا عن بعد، وكان الموجهون الأسريون يجرون لقاءات مع الحالات التي تحتاج لاستشارات أو تطلب جلسات صلح وهكذا. وأود هنا أن أذكر ملاحظة مهمة وهي انخفاض نسبة تسجيل حالات دعاوى طلاق خلال تلك الفترة بشكل ملحوظ، إذ انخفضت إلى 40%، وعندما تم الفتح وعادت الحياة إلى مسارها الطبيعي واجهنا إقبالاً وضغطاً من قبل المراجعين وكان ذلك نتيجة تراكم تلك الدعاوى قبل الجائحة».
أهم سبب وراء نشوب الخلافات الزوجية هو التسرع في أخذ القرارات المصيرية
ويلفت الشحي «من خلال ملاحظاتي أجد أن أهم سبب وراء نشوب الخلافات الزوجية هو التسرع في أخذ القرارات المصيرية، وعدم التماس العذر، وقلة الاحترام بين الزوجين وعدم تقبل الطرف الآخر، ونصيحتي لهؤلاء تتمثل في الصبر ثم الصبر وعدم التعجل في القرارات، وأتذكر حالة لرجل طلق زوجته بعد 10 أيام فقط وكان السبب هو إرضاء الأم التي لم تتقبل الزوجة، وأخرى طُلقت بعد شهرين وكانت حاملاً وتركها زوجها بعد أن تحدت أسرتها من أجله وفي نهاية المطاف خذلها».
"ارتفعت نسب «الطلاق» بشكل طفيف في بعض البلاد العربية والغربية "
الدكتورة هالة الأبلم، استشارية نفسية وتربوية بجمعية النهضة النسائية في دبي، تقول «لا نلاحظ ارتفاع حالات الطلاق في الدولة ولكن من المؤكد أن انتشار فيروس «كورونا» والذي أجبر الجميع على التزام المنزل لأجل غير معلوم، أفرز عن بعض التغيرات إذ اختلفت الحياة التي اعتاد عليها الزوجان، ومع تزايد الحجر الصحي في بعض البلاد العربية والغربية ارتفعت نسب «الطلاق» بشكل طفيف، ما دعا الأمم المتحدة إلى إصدار توجيهات للحث على وقف العنف الزوجي في المنازل، بعد أن ظهرت بيانات قليلة «خجولة» تحدثت عن ازدياد نسب الطلاق في هذه المجتمعات، وقد يرجع السبب إلى التماس المباشر والواقع السيئ الموجود في بعض العلاقات الزوجية، الذي لم يكن ملحوظاً في السابق كما أدى انخفاض الدخل أو توقفه بشكل مفاجئ إلى إصابة الزوج بحالة نفسية انعكست بشكل كبير على الأسرة، كما أن كثيراً من الأشخاص غير معتادين على الجلوس الدائم في المنزل، أو بالأحرى هم نادراً ما يتواجدون فيه، إذ يقضون أغلب أوقاتهم في العمل، ومن الطبيعي أن يشكل تواجدهم واحتكاكهم الدائم مع أفراد الأسرة الكثير من المشكلات».
وتشير إلى «هناك عدة أسباب تدعو لوصول الخلافات إلى طريق مسدود، منها عدم الترابط الفكري، برود المشاعر، الأزمات المادية، عدم الإنجاب، التفاوت الثقافي، زواج المصالح، التدخلات الخارجية، الغيرة، الإهمال وعدم تحمل المسؤولية، الضرب والعنف الجسدي، الجفاء والهجر بين الزوجين، ودائماً ما ننصح أصحاب تلك المشكلات بأنه على الرغم من جميع هذه الضغوط يتوجب علينا في هذه الفترات امتصاص غضب الطرف الآخر، ومراعاة مشاعره، واعتبار أن ما نمر به من ظروف هي حالة مؤقتة، كما ننصح بالبحث عن أساليب جديدة لإشغال النفس مثل:
- قراءة الكتب والروايات
- القيام بالألعاب الجماعية مع أفراد الأسرة
- غيرها من الأنشطة التي من شأنها الترفيه وخلق جو مثالي بين الزوجين.»
اقرأ أيضاً:
للمرأة المغتربة في الإمارات.. هذه هي حقوقك عند الطلاق
كيف نحمي الأبناء من غياب دور الأب بعد الطلاق؟