12 أبريل 2021

د. باسمة يونس تكتب: قيس الملياردير

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية.

 د. باسمة يونس تكتب: قيس الملياردير

رحل قيس وجميل وكثير وابن زيدون وظلت قصصهم تعبيراً عن معنى الحب والعشق لكنها تثير سخرية البعض لأن الحب لم يحقق لهم شيئاً، فلا هم ارتبطوا بأحبابهم ولا تمكنوا من حصد الثروات لانشغالهم وتفانيهم في الغرام.

ولكن، ماذا لو لم يعشق قيس، أو جميل، أو كثير، أو ابن زيدون وانشغلوا بجمع الثروات وقضاء أيام وليال من السعادة، ثم رحلوا عن العالم وانتقلت ثرواتهم لورثتهم فهل كنا سنظل نذكرهم أم أن حكاياتهم كانت ستنتهي عند ذلك الحد؟

وماذا لو كان قيس مليارديراً يملك من المال ما يسمح له بالارتباط بأجمل نساء العالم والتقلب بين أملاكه من المنازل والقصور، ولا يصبح ضحية جنون الغرام ولا يضيع عقله بحب امرأة، ويتوه في الصحاري مشعثاً مغبراً لا يملك من الدنيا سوى لسان يلهج باسمها، فهل كان سيكون هو قيس نفسه، الذي تعلمنا معنى الحب من حكايته ولقّب كل عاشق باسمه؟

وماذا لو خير أثرياء العالم يومها بين التخلي عن ثرواتهم مقابل قصة حب تشعل في أجسادهم نيران الغرام فتلوح قلوبهم المعتلة بالشوق، بدلاً من نيران المنافسة في أسواق المال والاستثمارات، فهل سيرضون بقلوب يذيبها وهج الصبابة وحرائق الشوق والأمنيات؟

وهل مازال الحب يعني للناس أم أنه لم يعد يخاطب واقعاً لا محل للرومانسية فيه؟ ومن هم العشاق الذين سيكتب التاريخ حكاياتهم لأنهم منحوا أرواحهم للحب ورحلوا عن العالم بقلوب مثقلة به؟

لقد اتهم كثيرون الرومانسية والعواطف بأنها مضللة تقود الناس وهي عمياء، فلا تحقق لهم الإشباع النفسي الذي يبحث عنه الإنسان في المال والطعام والأمان، وتجرهم إلى مواقف لا يرغب الباحثون عن السعادة الوقوع في حفرها العميقة ولا التردي في غياهب الأجباب التي ستدفنهم تحت التراب، لكنهم يجهلون بذلك أن الحاجة الحقيقية هي في أن يكون الإنسان محبوباً من الآخرين وقادراً على منح الحب وتبادله، وهو أكثر من حاجته لامتلاك الثروات التي ستعرضه لخسارة الحب أحياناً أو شراء المزيف منه.

إن الإنسان، وعلى الرغم من أن معظم احتياجاته الأساسية تكمن في حصوله على الغذاء والراحة والاحترام، لن يشعر بالإشباع والراحة ما لم يشعر بالحب وما لم يجد من يبادله هذا الحب ويمنحه التقدير اللازم للشعور بقيمته، ولن يمنحه المال الرضا حتى لو اشترى له كل ما يظنه حاجة أساسية في حياته.

وأظهرت التجارب المستمرة بأن الطفل الذي يلقى رعاية والديه ضمن حدود توفير احتياجاته الأساسية، سيكبر بضرر نفسي أكبر من ضرر طفل فقير سيعوضه الحب بعضاً مما فقده، فالأول حرم من شعوره بالحب وبأن هناك من يقدره لأنه يستحق ذلك الحب فالرغبة في حب الآخرين أمر راسخ وعميق في النفس الإنسانية، وتحقيق هذه الرغبة يرفع مستويات السعادة ليصبح الحصول على بقية الاحتياجات الإنسانية ممتعاً وجديراً بالرضا.

إن الحصول على هذا الحب لا يشترى بالثروات ولا يأتي من السعي وراءه لكنه يتحقق بمقابل يسهل الحصول عليه، وهذا المقابل هو منح الحب وليس المال، فالطرف الآخر يريد أن يشعر بأنه محبوب وحصل منه على مقدار يكفي لملء قلبه بالكثير منه، وليبدأ بمنح الآخر مما فاض في قلبه منه.

 

مقالات ذات صلة