منذ اللحظة الأولى لأول خلاف دبّ بينها بين زوجها، يترك المنزل ليعود ومعه صديقه المقرب وزوجته ليحضرا الخلاف الذي كانا على علم بتفاصيله كاملة، وبالفعل استطاعا أن ينهيا المسألة وتعود المياه بين الزوجين إلى مجاريها، إلا أن الأمر ازداد سوءاً بعد أن وجدت تدخل تلك الأسرة في كل تفاصيل حياتها بشكل مبالغ فيه، فمع أول كلمة تتفوه بها تجد زوجة الصديق تحدثها وتخبرها بأن تتمسك برأيها وتفعل ما تراه مناسباً ولا تفصح عن ذلك لأحد، وعلى الجانب الآخر يطلب منها الصديق أن تعدل عن رأيها إرضاء لزوجها.. وظل الوضع هكذا، حتى شعرت بأن ما تتلقاه من نصائح لا يجدي نفعاً ولا يثمر في علاقتها بزوجها، فأفصحت له عن رغبتها في عدم تدخل أحد لا بالخير ولا بالشر في حياتهما وهو ما أغضبه لأنها بذلك لا تقدر مجهود تلك الأسرة التي تتمنى لهما الخير دائماً، وهو ما أسفر عن طلبها الانفصال لشعورها بضعف شخصية زوجها أمام أصدقائه.
هل اللجوء إلى طرف آخر يحل المشكلة؟ يمكن أن ينهيها، أم يزيد من تعمقها؟
اللجوء لطرف آخر لفض الخلاف أو النزاع بين الطرفين هو أمر مُتفق عليه شرعاً، لكن يجب أن يكون هذا الطرف حكيماً و رشيداً
نوصي الأزواج بمحاولات دؤوبة ومتكررة لحل الخلافات دون تدخل أي طرف، وإذا استعصى الأمر نفضل اللجوء إلى مراكز الاستشارات الأسرية
وتتابع «نوصي الأزواج بمحاولات دؤوبة ومتكررة لحل الخلافات دون تدخل أي طرف، وإذا استعصى الأمر نفضل اللجوء إلى مراكز الاستشارات الأسرية كونها الأكثر تخصصاً في هذا الأمر، ليس هذا فحسب بل أصبح التعامل معها أيسر وأسهل وخصوصاً لمن يستشعر الحرج أو لمن يريد الخصوصية وعدم كشف بياناته، فأصبحت هناك الخطوط الساخنة لتقديم الاستشارات عن طريق مراكز التنمية الأسرية التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة بالشارقة، وكذلك بالعديد من الإمارات الأخرى بالدولة، وكلها قنوات شرعية هدفها تماسك الأسرة وترابطها كونها عماد المجتمع وأهم أسس أركانه».
نتائج عسكية لتدخل الآخرين في الحياة الزوجية
عبدالله صالح النهام، مدرب في مجال التنمية البشرية والمهارات الحياتية والمجتمعية، يبين «الخلافات والمشاكل بشكل عام تسمى ملح الحياة وبدونها لا نتذوق الطعم الجميل لها، ينطبق ذلك على الخلافات الزوجية والتي يكون مصدرها أحد طرفي العلاقة أو ممن حولهما، ولكل بيت أسراره والتي يستحسن عدم الإفصاح عنها للغير مهما كان نوع الخلاف. فاللجوء إلى شخص آخر قد يأتي بنتائج عكسية لأنه ربما يتعاطف مع الطرف الذي عرض عليه الخلاف ويتجاهل الآخر، فيعطيه حلولاً قد تؤثر بالسلب فيه، فهو لم يعش تفاصيل الخلاف ولم يعدل في الاستماع لرأي الطرفين، فالكثير من الأزواج يبتعدون عن إخبار الأهل فيما يحدث بينهم لاعتبارهم يؤثرون سلباً في العلاقة الزوجية، فما هي الحال بغير الأهل من الأصدقاء وغيرهم؟».
اللجوء لمن نوليهم الثقة ليس كافياً، فبعض الحالات التي لجأت إلى أطراف أخرى انتهى بها الأمر، إما إلى تعميق الخلاف أكثر أو إلى الطلاق
ويكمل «لا أقصد بحديثي التعميم، فهناك أشخاص أهل ثقة ويعرف عنهم الاعتدال في القول والفعل، ولهؤلاء مواصفات خاصة كأن يكون إنساناً مستقيماً خلقاً وديناً، محافظاً على العبادات، معروفاً عنه الأمانة وحب الخير للغير، مشهوراً بشغفه بإصلاح علاقات ذات البين، ولديه معرفة وخبرة في حل المشاكل والخلافات وإعطاء النصائح التي من شأنها أن تساعد على حل الخلاف، لأن اللجوء لمن نوليهم الثقة ليس كافياً، فبعض الحالات التي لجأت إلى أطراف أخرى لم يتوافر لديها تلك الصفات انتهى بها الأمر، إما إلى تعميق الخلاف أكثر أو إلى الطلاق، وللأسف كان ذلك بقناعة الطرفين من خلال تصديقهما لرأي الشخص الآخر الذي تم اللجوء إليه واعتباره أهلاً للثقة، كتلك الحالة التي اشتعلت بين طرفيها مشكلة، إذ كانت الحياة تسير بينهما في مسارها الطبيعي ويغلب عليها الهدوء والاستقرار، لتتبدل الحال ويكثر خروج الزوجة من المنزل برفقة صديقاتها حتى أثناء تواجد شريك حياتها في البيت، وهو ما جعله ينزعج نتيجة تكرار المسألة وبدأ يشعر بتغير واضح في تصرفات الزوجة لتتعمق الأزمة داخله ويشعر بأنها لا تحترمه فأخذ يمنعها من صديقاتها لتقابل هي ذلك بالرفض، ليحتد الخلاف ويصل الأمر إلى الطلاق، وبعد ذلك اكتشفنا أن صديقاتها هن من دفعنها لأن تعيش حريتها وألا تعير لرغبته اهتماماً فكانت النتيجة تفكك الأسرة وتشتت الأبناء والسبب يرجع إلى كشف تفصيلة صغيرة لخلاف أعقبه نصيحة دمرت زواجاً استمر لسنوات ليست بقليلة، وكان الأقدر حل المشكلة بينهما مع تقديم بعض التنازلات من قبل الطرفين لتستمر عجلة الحياة دون توقف».
الشروط والصفات التي يجب توافرها في المحكم
مريم الحنطوبي، موجهة أسرية في دار القضاء بالفجيرة، تشير «نعاني مع كثير من الحالات ممن يلجأ أحد طرفيها أو كلاهما وقت الخلاف إلى شخص من أهله أو من أهلها أو أحد الأصدقاء، وهو ما ننصح فيه الأزواج والزوجات بأنه لابد وأن تحل الخلافات دون تدخل أحد لأن غير ذلك يمكن أن يؤدي لفجوة بين الزوجين تتسع مع كل مشكلة، ومع ذلك نقول بأن اللجوء إلى طرف ثالث يكون في أضيق الحدود ومع وجود مشكلة فشلت كل السبل لحلها فاستعصى على الطرفين إنهاؤها، هنا يمكن أن يستعينا بشخص محايد لا ينتسب لأحد الزوجين لا بالقربة ولا بالود، لأن من تجمعه صلة دم بأحدهما من الطبيعي أن ينحاز له ولو أبدى غير ذلك، فالفطرة هي ما تتحكم في هذا الأمر».
وتضيف «عرضت علينا حالات لأزواج كان من السهل أن تنتهي خلافاتهما لأنها ليست جوهرية لكن جاء الطرف الآخر ليشعل فتيل الأزمة كلما بدأت تنطفئ، وهي حقيقة ولا يوجد فيها مبالغة، فهناك من يلين قلبه لزوجته ويأتي من استعان به لتهدئة الموقف ليذكره أمامنا بما فعلت وبما قالت. وعلى الجانب الآخر يفعل من لجأت إليه الزوجة لينهي الخلاف فيحمل على عاتقه أن يسمعها ما يشعل الأزمة من جديد من باب عدم تكرار فعل الزوج ليثور هو الآخر. وللأسف هناك حالات وصل الأمر إلى حد الطلاق بسبب هذا الشخص الذي ظن الطرفان أنه طوق النجاة بالنسبة لهما، وأقولها مرة ثانية اللجوء إلى التحكيم يحتاج لمن يتحلى بصفة الحكمة والعدل ورجاحة العقل والقدرة على موازنة الأمور حتى يتحكم في ألا يميل بقلبه لأحد الطرفين على حساب الآخر، ومع ذلك لا أنصح بهذا التدخل إلا عند استحالة وجود نقطة تلاق بين الزوجين».