من فيلم The Family Stone
كشفت دراسة اجتماعية حديثة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة عن أن 60% من حالات الطلاق في السنوات الخمس الأولى من الزواج سببها الأهل، لذلك على الزوجين أن يقوما بحل مشاكلهما بمفردهما دون السماح للأهل بالتدخل إطلاقاً. وأكدت الدراسة أن اعتماد الزوجين على أنفسهما في حل مشاكلهما أفضل طريقة لسعادتهما، ودليل النضج العقلي والنفسي والتفاهم بينهم.
طرحت «كل الأسرة» نتائج هذه الدراسة وسألت عدد من أساتذة الطب النفسي وخبراء العلاقات الزوجية حول تدخل الأهل في حياة أبنائهم الزوجية، ومتى يمكن لاستشارة الأهل أن تصل بالزوجين إلى بر الأمان في أوقات الخلاف، وكيف يحافظ الزوجان على زواجهما بعيداً عن تدخلات الأهل؟
تدخل الأهل يحول الخلاف البسيط بين الزوجين إلى حرب بينهما وبين العائلتين
في البداية، تؤكد الدكتورة إكرام خليل، استشارية العلاقات الزوجية والأسرية بالقاهرة، أنه في كثير من الأحيان يكون لتدخل الأهل بين الزوجين في خلافاتهما دور كبير في الطلاق وخراب البيت، وتقول «يعد تدخل الأهل في تفاصيل حياة الزوجين وقراراتهما وشؤونهما الخاصة مشكلة من أخطر المشكلات التي قد تواجه الزوجين إذ يؤثر تأثيراً سلبياً في الحياة الزوجية ويؤدي إلى عدم استقرارها وضياع الخصوصية بين الزوجين وتوتر العلاقة بينهما ويصل الأمر في بعض الأحيان إلى انهيار الحياة الزوجية وحدوث انفصال».
وترصد استشارية العلاقات الزوجية عدداً من الأسباب التي تؤدي إلى تدخل الأهل في حياة الزوجين:
- عدم تفهم الآباء لرغبة الأبناء وحقهم في الاستقلال
- اعتماد أحد الطرفين على الآباء في اتخاذ جميع قرارات حياته
- اعتقاد بعض الآباء أن تفكيرهم هو الصائب وأن آراء الشباب الآن خاطئة
- الاعتماد المادي الجزئي أو الكلي على الآباء ما يعطى لهم مجالاً في التدخل في كيفية إنفاق الأموال
- والسبب الأهم والأكثر شيوعاً هو عدم احترام الزوجين للخصوصية بينهما ففي حالة حدوث خلاف يسرع أحد الطرفين لإخبار أهله بما يحدث داخل حياته
وتوضح الدكتورة إكرام خليل أنه عند حدوث خلاف بين زوجين يصبح موقف أهل الزوج هو التضامن المطلق والتأييد التام له ضد زوجته بدون معرفة طبيعة الخلاف أو سماع الزوجة!! ونفس الموقف من أهل الزوجة، التضامن الكامل والتأييد المطلق لها والهجوم على الزوج ومعاداته وإعلان الحرب عليه بدون سماعه أو معرفة ما هي المشكلة، وهو الأمر الذي يحول الخلاف البسيط بين الزوجين إلى حرب بينهما وبين العائلتين مما يسهم في خراب البيت والفرقة بين الزوجين والتي يدفع ثمنها الأبناء.
تتعمد الزوجة ترك البيت والتوجه إلى بيت أهلها بمجرد أن تتشاجر مع زوجها اعتقاداً منها أنها تأدبه
ومن جانبه، يحذر الدكتور عبد المحسن ديغم، استشاري العلاج النفسي وتعديل السلوك والخبير الأسري، من إخراج أسرار وخلافات الحياة الزوجية إلى الأهل ولو على سبيل الفضفضة، ويوضح «كم من بيت تهدم وزواج انتهى بطلاق لأتفه المشكلات والخصام بسبب إخراج المشكلة من بيت الزوجية وإدخال الآخرين في الموضوع واتساع دائرة المشكلة وتحويلها إلى ما يشبه الفضيحة بين الأهل ولو كانت صغيرة». لافتاً إلى أن أكبر خطأ تقع فيه بعض الزوجات هي أن تتعمد الزوجة ترك البيت والتوجه إلى بيت أهلها بمجرد أن تتشاجر مع زوجها اعتقاداً منها أنه بذلك يتم تأديب زوجها وتجعله يعرف مكانتها وقدرها ولكنها لا تعرف أنها بتكرار هذا الفعل تجعل زوجها ينفر منها ويقلل من احترامه لها كما ستظهر في نظره بصغر عقلها وطيشها.
ويضيف «الحياة الزوجية الطبيعية تحدث فيها المشكلات واختلاف وجهات النظر حول إدارة الأسرة وشؤونها لذا من المناسب والعقل ألا تطرح الزوجة مشكلاتها الزوجية أمام الأهل والأقارب تفادياً للغضب الذي قد يحدث أثناء النقاش».
وينصح الدكتور عبد المحسن ديغم الزوجات بألا يستجبن لمحاولات التدخل من الأهل والأقارب، ويقول «لا تسمحي للأهل بالتدخل في حياتكما، أما أن تكونا كلاكما يحترم الأهل والأقارب فهذا أمر يستحق التقدير والثناء، ويحقق لكما السعادة الزوجية ولكن هذا لا يعني أن لهم الحق في التدخل في كل صغيرة وكبيرة في حياتك الزوجية الخاصة، بل يجب أن تعطي لعلاقتك مع زوجك ما تستحقه من الخصوصية ولا تقومي بسرد تفاصيل حياتك الزوجية إلى أهلك ولا ترتكبي أيضاً خطأ استشارة الأهل في أمر مهم قبل أخذ رأي زوجك فهذا سوف يشعره بأن رأيه ليس الأهم.. ودائماً ما أنصح المقبلات على الزواج وأقول لهن: أقوال زوجك وأسراره أمانة فلا تنشريها بين أهلك خاصة في أوقات الخلاف».
بعض العائلات لا تتقبل فكرة انفصال الأبناء عنهم وهو أمر سيئ يفسد حياة الأبناء
أما الدكتورة ياسمين ياقوت، خبيرة العلاقات الزوجية وتعديل السلوك بالقاهرة، فترى أن نتائج هذه الدراسة واقعية ومنطقية للغاية لكن للأسف أغلب المقبلين على الزواج لا يلتفتون مبكراً إلى أن تدخل الأهل الزائد في الحياة الزوجية يقود نحو العديد من المشاكل وربما حدوث الطلاق، وتبين «تدخل الأهل من أكبر التحديات التي تعترض حياة الزوجين كمحاولة فرض سيطرة من قبل الأهل على كل تصرفات الأبناء، وللأسف الكثير من الأهل يلعبون دوراً كبيراً في زيادة مساحة الزعل بين الزوجين بسبب السماع من طرف واحد فقط والتعاطف معه وإطلاق أحكام بناء على ما سمعوه دون أن يتأكدوا من وضوح الصورة لهم بشكل كامل».
وتضيف «من أسباب تدخل الأهل بين الزوجين هو شعور الأهل باستمرار وصياتهم على أولادهم، فبعض العائلات لا تتقبل فكرة انفصال الأبناء عنهم وهو أمر سيئ يفسد حياة الأبناء لذا يجب على الزوجين الاتفاق على وضع حدود الأهل بعد الزواج وأن يكون ذلك بلطف وبطريقة لائقة لهم دون إحراجهم».
وتشدد الدكتورة ياسمين ياقوت على أهمية وجود اتفاق وتفاهم بين الزوجين حول حدود تدخل الأهل في حياتهما وأن يتحدث كل منهما مع أبويه بشكل هادئ حول أهمية الخصوصية وهذا لا يمنع من استشارة الأهل والاستفادة من خبراتهم على أن يكون رأيهم غير إلزامي للزوجين خاصة فيما يتعلق بحياتهما الخاصة و قراراتهم المستقبلية، أما فيما يتعلق بتربية الأبناء فكثير من السيدات يرفضن رأي الجدة والدة الزوج عندما تتدخل في تربية أحفادها لكن يجب أن يتم ذلك في إطار ودي دون مضايقة أو إحراج لها فهي أيضاً لا تريد سوى مصلحة الصغير الذي تحبه كثيراً وتعتقد أن لديها الكثير من الخبرات ورصيداً طويلاً من التربية يجب أن يستفيد منه الأبناء في التعامل مع الأحفاد.
نصائح لمنع تدخل الأهل والأقارب في حياة الزوجين
الدكتور محمد إدريس، استشاري الطب النفسي والسلوكي بالقاهرة، يقدم عدة نصائح لمنع تدخل الأهل والأقارب في حياة الزوجين، «إن الحياة الزوجية مثل الميزان تنشأ بين طرفين هما الزوج والزوجة تقوم على المودة والتفاهم بينهما ولكن في كثير من الأحيان يقع الزوجان تحت وطأة التدخل من طرف ثالث سواء من الأهل والأقارب أو الأصدقاء الذين يقتحمون خصوصيتهم مما يؤدي لاختلال توازن الحياة الزوجية فتبدأ المشكلات في الحدوث وتنكسر المودة ويغيب التفاهم».
ويري الدكتور محمد إدريس أنه ليس من المفترض أن ننعزل تماماً عن الآخرين سواء الأهل أو الأصدقاء ولكن يجب أن نتعلم أساسيات التعامل معهم ووضع حدود قوية لهم دون التسبب في إحراجهم خاصة إذا كانوا من المقربين مثل الأبوين أو الإخوة، مثل:
- أن نعقد اتفاقاً مسبقاً مع الشريك منذ البداية على عدم إقحام أي طرف ثالث في الحياة الزوجية مهما وصلت الأمور
- عدم نقل أي أسرار أو مشكلات خاصة لأي شخص حتى ولو كان أقرب الأقربين
- أن نتعلم رفض التدخل بذكاء، بمعنى أن يضع الزوجان حدوداً لأي علاقة وأن يتعلما رفض ما يؤثر في علاقتهما الخاصة ولكن كل هذا في حدود الأدب والذوق في التعامل مع الآخرين ودون قول كلمة لا بشكل مباشر، ولكن مع التمهل أيضاً في قول كلمة نعم بسرعة، فيمكنهما مثلاً قول (سأفكر في الموضوع) أو أن يغيروا الموضوع بذكاء حتى لا يخسرا علاقتهما بالآخرين.
- الحرص على ذكر الإيجابيات فقط للأهل وعدم نقل أي سلبيات عن شريك العمر لأي شخص مهما كنا على غضب أو خلاف معه حتى لا نفتح الباب للآخرين للتدخل في حياتنا والبدء في تقديم النصائح والانتقادات لشعورهم بالقلق علينا ما قد ينعكس بالسلب على حياتنا الزوجية.
ويضيف «يحب علينا مواجهة تدخلات الأهل بهدوء وحسن تصرف فلا نفقد أعصابنا ولا نقابل الإساءة بالإحسان، فالتعامل مع الأمور بهدوء ومراعاة مشاعر الآخرين تجعلهم يتراجعون عن التدخل في أمور حياتنا مرة أخرى، كما يجب علينا إدراك أن الأمر ليس سباقاً بيننا وبين أهل الزوج أو الزوجة، فالمعاملة الحسنة والكلمة الطيبة تأتيان بالمعجزات إذ إن التقرب من الأهل وزيارتهم وافتعال المناسبات التي تؤلف بين القلوب يساعد بشكل كبير على الحد من التدخل في حياتنا الخاصة».