لا تتوقف الخلافات الأسرية في كافة البلاد العربية نتيجة الخروج على تعاليم الإسلام، وتشهد بعض مجتمعاتنا المعاصرة جرائم أسرية منكرة تكشف عن قسوة مفرطة لا يمكن أن تستقيم معها علاقة المودة والرحمة بين الزوجين.
لكن الواضح أن البعض لا يفكر بشكل متزن، ولا يعترف بحقوق شريك حياته الشرعية، ويتصرف وفقاً لهواه وأحياناً شيطانه.
هل من حق الزوج شرعاً منع زوجته من زيارة أهلها؟ وماذا تفعل الزوجة مع زوجها القاسي الذي يصر على ذلك.. هل هي ملزمة شرعاً بطاعته؟
رجعنا لعلماء الشريعة الإسلامية.. وهنا خلاصة ما قالوه ونصحوا به كل الأزواج والزوجات:
"من حقوق الزوجة على زوجها بر أهلها والتعامل معهم بود"
في البداية يؤكد العالم الأزهري د. أحمد همر هاشم عضو هيئة كبار العلماء في الأزهر «لقد نظم الإسلام العلاقة بين الزوجين تنظيماً دقيقاً، ووزع الأدوار بينهما توزيعاً محكماً، ورسم خريطة الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين لتسير الحياة في إطارها الصحيح حب وود واحترام متبادل.. ومن حقوق الزوجة على زوجها بر أهلها والتعامل معهم بود، والإحسان إليهم، كما أن من واجب كل زوج مساعدة زوجته على بر أهلها، ومن يفعل عكس ذلك آثم شرعاً».
ويضيف «الشريعة الإسلامية التي أقامت العلاقة الزوجية على الاحترام المتبادل بين الزوجين ألزمت كل منهما باحترام وتقدير أهل الطرف الآخر، فالزوج مطالب شرعاً بالتعامل مع أهل زوجته بود ورحمة ومشاعر إنسانية رقيقة بعيداً عن كل صور القسوة والجفاء، والزوجة هي الأخرى مطالبة بذلك وأكثر، وفى هذا الإطار الأخلاقي والإنساني ترتقي مشاعر الطرفين ويتعمق الود وتأتي صلة الرحم في أسمى صورها، وكل ذلك ينعكس على العلاقة بين الزوجين ويوفر لها الدوام والاستمرار والاستقرار».
نصائح للأزواج والزوجات
ويوجه عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر نصائحه هنا لكل زوجة تعاني سوء علاقة زوجها بأسرتها أن تكون «حمامة سلام» بين الطرفين، ويقول «واجب الزوجة أن تذلل الخلافات، وأن تقرب وجهات النظر وأن تصلح ما بين زوجها وأسرتها، وأن تحاول دائماً تحسين صورة زوجها في عيون أسرتها، وتحسين صورة أسرتها في عيون زوجها، ولا ينبغي أن تعاند الزوجة هنا وتخرب حياتها الزوجية بعنادها وإصرارها على عصيان الزوج والذهاب إلى أسرتها دون إذن زوجها وموافقته، خاصة إذا كان هذا الزوج يؤدي واجباته الزوجية تجاه زوجته كما أمر الإسلام، فكما أن الزوجة مطالبة بصلة رحمها، فهي مطالبة أيضاً بطاعة زوجها».
"من أولى أهداف الزواج خلق مناخ من المودة والمحبة والرحمة"
الداعية الأزهري الشهير د. مبروك عطية يؤكد أن الزوج الذي لا يحترم أسرة زوجته ويمنعها من زيارة أمها المريضة لا يستحق «لحظة حنان» من زوجته، ويقول «كيف تعيش «إنسانة» مع رجل يكره أمها ويحرمها من رؤيتها وهى مريضة؟».
وعن حقوق أهل الزوجة على الزوج، يوضح د. عطية «الإسلام نظم العلاقة بين الزوج وزوجته من ناحية، وبين الزوج وأهل زوجته، والزوجة وأهل زوجها بحيث تظل العلاقة بين جميع الأطراف يسودها الود والاحترام المتبادل، فمن أولى أهداف الزواج وعلاقة المصاهرة بين الأسر خلق مناخ من المودة والمحبة والرحمة.. لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بقيام كل واحد من الزوجين بحقوق الآخر، فيجب على الزوج أن يبر أهل زوجته كما يبر أهله وأن يحسن معاملتهم، كما يجب على الزوجة أن تبر أهلها وأهل زوجها وتحسن معاملتهم، وإذا وجد صعوبة في ذلك لشيء في نفسه، يترك زوجته تتعامل مع أهلها وخاصة أبويها بالطريقة التي ترضيها نفسيا، وكما يرضى الزوج ويسره أن تعامل زوجته أهله معاملة حسنة كريمة، كذلك يرضي الزوجة ويسرها أن يعامل زوجها أهلها معاملة حسنة كريمة».
على كل زوج أن يعلم أن عقد الزواج لا يعطيه حق قهر زوجته ومنعها من واجب ديني واجتماعي وإنساني مثل بر الوالدين
ويرى الداعية الأزهري الشهير أن على كل زوج أن يعلم أن عقد الزواج لا يعطيه حق قهر زوجته ومنعها من واجب ديني واجتماعي وإنساني مثل بر الوالدين، فالإسلام أمر كل مسلم ومسلمة ببر الوالدين والإحسان إليهما حتى ولو كانا على غير الملة.
وينصح د. عطية الأزواج الذين يمارسون هذا القهر النفسي لزوجاتهم بأن يراجعوا أنفسهم، «على كل رجل أن يعلم أن زوجته مطالبة ببر والديها وصلة رحمها حتى ولو كانت علاقته بهم ليست على ما يرام، ومن واجب الزوج أن يعينها على هذه الطاعة لأن عقاب من يقطع رحمه عند الله شديد، فقطيعة الرحم من كبائر الإثم، وأقبح المنكرات، ولذلك يحذر منها القرآن الكريم أشد التحذير ويجعل عاقبتها اللعنة وسوء المصير، يقول الحق سبحانه: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) ويقول عز شأنه: (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) ويقول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله».
"مودة الأهل وبرهم والاطمئنان عليهم حق لكل من الزوج والزوجة"
د. سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر، ترفض بدورها وتدين تعسف بعض الرجال في التعامل مع زوجاتهم في هذا الأمر، وتؤكد أن مودة الأهل وبرهم والاطمئنان عليهم حق لكل من الزوج والزوجة، ولذلك يأثم كل منهما شرعاً لو وقف حائلاً أمام هذا البر ولو سعى قطع الود، وتقول «بر المرأة لأهلها حق خالص لها، ولذلك فإن مصادرة هذا الحق تعنت وتعسف وسوء عشرة يرفضه الإسلام».
وتضيف: للمرأة الحق - عرفاً وشرعاً - في بر أهلها وصلة رحمها، وتعسف الزوج في التعامل مع زوجته وأهلها جحود يفسد العلاقة بين الزوجين حتى ولو استمرت شكلياً، ولكنها لا تحمل معاني الرحمة والود التي حث عليها الإسلام، ومن المؤسف أن يلجأ الزوج لأي سبب إلى منع زوجته من زيارة أهلها وحرمانها من بر والديها وصلة رحمها، ومهما كانت مبررات الزوج ودوافعه في ذلك فإن هذا الأمر يؤثر قطعاً في مشاعر المودة والمحبة بين الزوجين ويضعف العلاقة بينهما، ويؤدي إلى كثير من المشكلات التي قد تعصف بالحياة الزوجية كلها، وتؤدي في النهاية إلى الطلاق».
وعن نصيحتها لكل امرأة تمر بهذه الظروف الصعبة وتعيش حائرة بين بر أهلها وإرضاء زوجها، تجيب أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر «الزوجة في هذه الحالة تكون بين نارين، خاصة إذا كانت مرتبطة نفسياً ووجدانياً بأهلها، وبارة بوالديها، فهي مطالبة شرعاً بطاعة زوجها والعمل على إرضائه، وفي الوقت نفسه مطالبة ببر الوالدين وصلة الرحم، وعلى المرأة مواجهة هذا الموقف الصعب بعقلانية وحكمة من دون خسائر كبيرة من جانب الزوج أو من جانب الأهل».
وعن موقف الشرع في تصرف الزوج الذي يمنع زوجته من زيارة أهلها، توضح د. سعاد «الفقهاء أكدوا أنه لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الخروج إلى والديها في كل جمعة إن لم يقدرا على الحضور إليها، ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة.. وبعض الفقهاء يقيد خروجها بألا يقدرا على المجيء إليها، فإن قدرا فلا تذهب، وينبغي أن يأذن لها في زيارتهما على قدر متعارف ولا يمنعها من ذلك، فإن منعها وامتثلت لأمره فالحرمة تكون عليه وحده».