أعجب «خالد» بجمال «شيماء» وانبهر بأنوثتها الطاغية بمجرد أن شاهدها في حفل زفاف أحد أصدقائه، فتقدم للزواج منها، ووافقت الأسرة بعد تحريات عن العريس وأسرته.. وبعد الزواج بدأت العروس الجميلة تنشغل بأداء العبادات والطاعات الدينية، خاصة الصلاة، ثم قررت الالتزام بالحجاب. لم يعترض الزوج في البداية خوفاً من اتهامه من جانب أسرتها بالفسق والفجور وحض زوجته على المعصية.. لكنه سرعان ما مل من كثرة حرصها على الصلاة، خاصة بالليل، وعدم اهتمامها بأناقتها وجمالها داخل المنزل، فهجرها لأيام ثم بدأ يتعامل معها بقسوة.. وأخيراً طالبها بالعودة إلى الشكل الذي تزوجها عليه، وهو عدم الحجاب، والاهتمام بجمالها كما كانت قبل الزواج وفي الشهور الأولى بعد الزواج.
رفضت الزوجة الشابة طلب زوجها وتضامنت معها أسرتها.. ومع إصرار الزوج على طلبه تركت له منزل الزوجية، وتقدمت بدعوى لمحكمة الأسرة بالإسكندرية تطلب الطلاق للضرر، حيث اتهمت زوجها بتحريضها على معصية الله، وترك تعاليم الدين.. ثم ظهرت الزوجة في أحد البرامج الفضائية وعرضت مشكلتها مع زوجها، وتضامن معها كثير من الرجال والنساء، ونال الزوج سخطاً وإدانة من الجميع.
طرحنا القضية للمناقشة مع عدد من كبار علماء الإسلام.. فماذا قالوا؟
في البداية يوجه العالم الأزهري د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر السابق، عتاباً لكل من الزوج والزوجة.. ويقول: عتابي للزوج أولاً أنه سلك سلوكاً صادماً للناس بمطالبة زوجته بخلع الحجاب، وهو في حقيقة الأمر لا يريد منها ترك التزام ديني بقدر ما يريد نقل غضبه من إهمالها لنفسها، وعدم اهتمامها بجمالها، كما كانت على الحالة التي تزوجها عليها"
ويضيف" إذا كانت الزوجة قد أخطأت في إهمالها لنفسها ولحقوق زوجها في أن يراها جميلة ومهتمة به طوال الوقت.. فالزوج - بالتأكيد - أخطأ التصرف في التعامل مع زوجته، وطلبه منها مستفز للمشاعر الدينية، ولذلك كان طبيعياً أن يلقى طلبه غضباً وسخطاً جماهيرياً من المتدينين وغير المتدينين، ومن الرجال والنساء.. لأن الزوج - بحكم ولايته على زوجته - مسؤول عن «تهيئة أجواء الهداية والالتزام الديني والأخلاقي لها» وليس العكس، والطبيعي أن يسعد الزوج بالتزام زوجته وهدايتها، لأنه بذلك سيكون في أمان وطمأنينة عليها"
لا يحق للزوج أن يفرض الحجاب على زوجته عن طريق الإكراه
ويؤكد مفتي مصر السابق أن مسؤولية الزوج عن زوجته تتوقف عند تقديم النصيحة وتهيئة أجواء الهداية والصلاح لها، فلو كانت غير محجبة نصحها بالالتزام بالحجاب، إلا أنه لا يحق للزوج أن يفرض هذا الزي الشرعي على زوجته عن طريق الإكراه.
ويقول" طريق الهداية الحقيقية هو «النصيحة الصادقة والإقناع الهادئ».. بمعنى أن الزوج مطالب شرعاً بتقديم النصيحة لزوجته بضرورة الالتزام بتعاليم الدين، والوقوف عند أحكامه وآدابه وأخلاقياته، ولا ينبغي أن يمل من ذلك، فهذا واجبه شرعاً وعرفاً، ومسألة الهداية بعد ذلك على الله عز وجل: يقول الحق سبحانه مخاطبا رسوله الكريم: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء).
وكما لا يجوز للزوج إجبار زوجته على الالتزام بالحجاب.. فمن باب أولى ليس من حقه إكراهها على خلع الحجاب أو ترك أية طاعة تحرص عليها ومن يفعل ذلك مخطئ، ويجلب لنفسه غضب الله وعقابه.
"الزوج الذي يطالب زوجته بخلع الحجاب «آثم شرعاً»"
د. مجدي عاشور أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، يضم صوته إلى صوت د. جمعة، ويؤكد أن الزوج مطالب شرعاً بمساعدة زوجته على الطاعة والالتزام الديني وليس العكس، ويقول: ليس من حق الرجل إكراه زوجته على ترك التزام ديني مفروض عليها من الخالق سبحانه وتعالى، ولذلك فإن من يطالب زوجته بخلع الحجاب «آثم شرعاً»، وعليه أن يعود إلى رشده وصوابه، ويصحح مسيرته، ويقوم بواجب نصح زوجته، وإرشادها إلى الطاعة والهداية، حتى لا يجلب لنفسه غضب الله وعقابه.
وعن أحقية الزوجة التي يطالبها زوجها بخلع الحجاب في طلب الطلاق يقول أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: من حق الزوجة شرعاً طلب الطلاق للضرر، والضرر قد يكون ضررا ماديا كأن يعتدى الزوج على زوجته ويلحق بها الأذى البدني، أو يحرمها من حقوقها المشروعة: من مسكن ملائم، أو نفقة واجبة تتمثل في الطعام والشراب والعلاج عند بعض الفقهاء.. أو كان ضرراً نفسياً بأن يؤذي مشاعرها باستمرار ويشكل ضغطاً نفسياً عليها يلحق بها ضرراً بدنياً.. ومن حق الزوجة التي يصر زوجها على ارتكابها للمعاصي أن تطلب الطلاق للضرر، فالذي يكره زوجته على ترك الصلاة أو ترك الحجاب، أو مجالسة الأصدقاء، أو مثل ذلك من السلوكيات يرتكب محرما ومن حق زوجته طلب الطلاق.
لكن د. عاشور يؤكد ضرورة التحلي بالصبر والحكمة في مثل هذه الأمور، فبعض الرجال يعاندون مع زوجاتهم لأسباب أخرى غير الأمور المعلنة وعندما يحدث وفاق في هذه الأمور يعود الزوج إلى رشده ويكون أكثر حرصاً على التزام زوجته، والطلاق أبغض الحلال عند الله ولا ينبغي أن يفكر فيه أحد الزوجين إلا عندما تصل علاقته بشريك حياته إلى طريق مسدود، وبعد استنفاذ وسائل العلاج والمواجهة الهادئة والعاقلة للمشكلات التي تقتحم حياة الزوجين.