22 مايو 2023

إنعام كجه جي تكتب: قصة حب بائسة

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: قصة حب بائسة

وقفت أمام قاضي محكمة الجزاء في باريس ملفوفة بعباءتها وحزنها. اسمها أومو، شابة من أصل إفريقي لم تبلغ الثلاثين بعد. كانت تدرس للحصول على شهادة عالية في الإدارة حين تعرفت إلى زميل يدعى داميان. وقعت في حبه ومن الحب ما قتل... أو قاد إلى السجن!

كانت تستعد للزواج. لكن داميان كان يخطط لأمر آخر. فهو من «الجهاديين»، وهي التسمية المخففة في فرنسا للإرهابيين، ففي تلك السنوات التي سبقت حوادث التفجير والاغتيال في باريس، ترك المئات من الشبان والشابات بيوتهم للالتحاق بالقتال في سوريا. كان التجنيد يتم عبر المواقع الإلكترونية، حيث يوهمون اليائسين من أبناء المهاجرين والضواحي الفقيرة بأن الفردوس ينتظرهم هناك، سيتركون ديار «الكفر» ويلتحقون بمجتمع المؤمنين.

مع الأيام الأولى من عام 2014 ودعت أومو والدتها وتركت دراستها وسافرت مع داميان إلى تركيا. ووفي ليلة ظلماء عبرا الحدود سيرا على الأقدام إلى سوريا، بمساعدة أحد المهربين. وهناك تم فصلها عن حبيبها الذي التحق بخلية للتدريب على القتال. ماذا تفعل صبية لم تبلغ العشرين، بعد، في تلك الأجواء الخطيرة؟ اليوم، بعد تسعة أشهر من الاحتجاز في معسكر على الحدود التركية، استعادت بعضاً من وعيها. قالت للقاضي إن مسؤول الخلية كان يتحرش بها. وقد مارس عليها ضغوطاً وأموراً مخجلة.

اختفى داميان وتم تزويجها لمدة شهر من مقاتل آخر. تمكنت من الهرب إلى اللاذقية ونجحت في الاتصال بداميان عبر «فيسبوك». التقيا مجدداً وتزوجا زواجاً دينياً وصار اسم زوجها أبا أنور. ومن هناك انتقلا إلى حلب ثم إلى إدلب حيث خصص تنظيم «القاعدة» لهما بيتا. وفي ذلك البيت ولدت بنتاً ثم صبياً. لكن الحرب لم تترك لها فرصة لتربيتهما. لقد وجدت نفسها في معسكر تركي مع المئات من نساء مقاتلي التنظيم ووصلتها أخبار بأن زوجها قد اتخذ زوجة سورية.

في ربيع 2020 اتصلت أومو بالقنصلية الفرنسية في إسطنبول طالبة إعادتها إلى باريس مع ولديها. وها هي اليوم سجينة في فرنسا وتجري محاكمتها بتهمة الاشتراك بجماعة إرهابية. قال محاميها في مرافعة الدفاع عنها إن موكلته ضحية لقاء بائس بشخص سيئ. كانت وحيدة بدون أب وقد أعماها الحب. وهي اليوم تدرك حجم خطأها وتطلب رحمة العدالة لكي تبدأ صفحة جديدة.

هذه واحدة من مآسي عشرات الفرنسيات العائدات من براثن التطرف. وأصعب ما في هذه القصص أن القانون يقضي بتفريق الأمهات عن أبنائهن وإيداع الأطفال لدى عائلات سوية لكي ينشأوا نشأة «طبيعية». كم سنة ستسجن أومو؟ وهل يقدر لها احتضان ابنتها وابنها ذات يوم؟