قيل إن العشق قد يؤدي إلى التهلكة مرّة، وينجي مرات، وهو مثل البذرة إن فسدت مات الزرع، وإن صلحت نمت فيها روح الإنسان، وأزهرت ثمارها.
ومن أشهر العشاق ابن زيدون الذي خاب عشقه، بعد أن أخطأ بحق «ولّادة بنت المستكفي»، فأحرقت قلبه، ومات حزيناً بسبب هجرها له، وما أصابه منها، والشاعر المفتون، قيس بن الملوح الذي أضاع عقله، وخسر ليلى، فانتهى مشرداً، أشعثَ، بلا مأوى ولا عقل.
أما ابن الملك بهرام جور، شاهنشاه الإمبراطورية الساسانية، الذي كان معروفاً بكسله، وفقدانه الهمّة، وإساءته الأدب مع الآخرين، فقد وصل إلى مرحلة مؤسفة من اللامبالاة، ما دفع أباه الملك إلى دعوة المؤدِّبين والحكماء لملازمة ولده خوفاً عليه، وعسى أن تنصلح حاله، ويتسلم زمام الحكم من بعده.
وعلى مرّ الأيام كان الملك يسأل عن حاله فلا يسمع من المؤدّبين والرفاق سوى شكواهم من سوء فهمه، وقلّة أدبه، حتى ظن أنه لن يفلح في تهذيبه وإصلاحه، ولن يستطيع تسليمه قيادة المملكة من بعده.
ومع ذلك، لم يفقد الملك بهرام الأمل، وظل يبحث في كل مكان عمّن يساعده على تهذيب ولده، حتى جاء أحد المؤدِّبين يوماً إلى القصر، ووقف أمامه يبشره بحدوث معجزة تحسنت معها أخلاق ولده، وصار يمكنه إعداده ليصبح ملك المستقبل من بعده. وقف المؤدِّب يومها قائلاً (كنا نخاف سوء أدبه إلى أن حدث ما صيّرنا على الرجاء في فلاحه).
وكان ردّ المؤدِّب على الملك عندما سأله عمّا حدث غير متوقع، فقد قال إن الأمير تغيّر للأفضل مذ وقعت عينه على ابنة المرزبان، وعشقها.
انبسطت أسارير الملك بهرام، وقد عاد إليه الأمل في ولده، لكنه، وخوفاً من أن تخفت شعلة العشق فيعود إلى سابق عهده، فكّر في خطة تجعله لا يفقد هذا الخيط، ولا يخسر ما وصل إليه الولد.
ودعا أبا الفتاة وأبلغه أن ابنه عاشق لابنته، وأنه سيزوجهما، ولكن بعد تنفيذ خطته. كانت خطة الملك أن تقبل الفتاة بعشق الأمير، ولا ترفض مراسلته حتى توقعه في حبها، ثم تتمنّع عليه بعدها، فإن ألحّ عليها، وطلب رؤيتها تتجنّبه وتهجره، فإن سألها عن السبب تجيبه بأنها لن تتزوج إلا ملكاً.
كانت الخطة تسير على ما يرام، فالمؤدِّب يحث الأمير على مراسلة الفتاة، وأبو الفتاة يشجعها على الامتناع عن مراسلته، وأن تهجره، وتصد عنه، حتى شعر الأمير بالقلق، وبأنه سيخسر فتاته المحبوبة التي هجرته فجأة، وعندما سألها عن السبب أخبرته أنها لن تتزوج غير ملك.
وهكذا اجتهد الأمير في طلب العلم، وتعلّم الفروسية والرماية، وطلب من والده الملك أن يمدّه بالدواب، والآلات، والمطاعم، والملابس، والندماء، وكل ما يخص حياة الأمراء، فجهزه الملك بكل ما طلب، وبعد أن وجده المؤدِّب قادراً على القيام بكل ما يجعله ملكاً شجعه على أن يذهب إلى والده كي يطلب منه تزويجه الفتاة، التي أحبها، واجتهد في حياته من أجلها.
ودعا الملك يومها العروسين وصارح الأمير بخطته التي كانت سبباً في دفعه للتعلّم والتحلّي بأخلاق الملوك، وقدّم له عرشه ليصبح ملكاً من بعده.