13 أكتوبر 2024

د. باسمة يونس تكتب: اختبارات خطرة

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: اختبارات خطرة

يُحكى أن رجلاً فقيراً أحب امرأة غنية جداً، كانت تعرف أن الكثيرين يسعون إليها بسبب ثروتها، فقررت اختبار حب الرجل لها بطلبها منه التخلي عن كل ما يملكه والعيش بدون مال لفترة من الزمن، وافق الرجل على الاختبار وواجه الصعوبات بصبر، ما أثبت صدق مشاعره، فتزوجته لإيمانها أنه يحبها بصدق.

وفي قصة أخرى، طلب أب من ولده اختبار صداقته مع مجموعة من أعز أصدقائه عن طريق الادعاء بقيامه بخطأ وحاجته إلى مساعدة فورية. فوجئ الابن بانسحابهم من حوله، وأدرك أنهم لم يكونوا أصدقاء كما كان يظنهم.

ورغم أن الاختبار يجب أن يكون استثناءً وليس قاعدة لأن العلاقات الصحية تقوم على الثقة المتبادلة، قد يرغب الأفراد أحياناً في اختبار مشاعر الطرف الآخر، ولكن يجب أن يتم ذلك بحذر وتفهم، وأن يسألوا أنفسهم عن الدافع الحقيقي وراء هذا التصرف وإن كان نابعاً من حاجة فعلية للتأكد، أم أنه نتيجة لانعدام الثقة أو الخوف.

فإذا كان السبب هو انعدام الثقة، فقد يكون من الأفضل مناقشة الأمور بصراحة بدلاً من اللجوء إلى الاختبارات، لأن اختبار الأشخاص الذين نحبهم موضوع حساس ومعقد، يتطلب موازنة بين الرغبة في التأكد من صدق مشاعر الطرف الآخر، وقد يكون الاختبار وسيلة للحماية في الحالات التي تنشأ فيها شكوك أو مخاوف أو أن يكون ناتجاً عن تجربة سابقة مؤلمة أو خوف من الخيانة أو الفراق.

ويمكن أن يكون للاختبارات تأثيرات إيجابية إذا كانت نابعة من حسن النية والتفاهم، لكنها قد تحمل كذلك نتائج سلبية إذا تم التعامل معها بطريقة غير مناسبة وتصبح مدخلًا لزعزعة الثقة المتبادلة بين الطرفين و ينشأ للشخص الذي يتم اختباره شعورٌ بعدم الثقة أو بأنه غير موثوق به ويتعرض للضغط أو الإهانة، ما يثير توتراً في العلاقة خاصة إذا لم يكن هناك مبرر واضح للاختبار.

وتُعد قصة «أوديسيوس وزوجته بينيلوبي» مثالاً على اختبار المحبين، فبعد غياب أوديسيوس الطويل عن موطنه إثر حرب طروادة، عاد إلى منزله متنكراً و كانت بينيلوبي تواجه ضغطاً من الذين كانوا يتقدمون للزواج منها ويحاولون إقناعها بأن أوديسيوس قد مات، وعلى الرغم من أن اختبار أوديسيوس كان نابعاً من حبه ورغبته في التأكد من وفائها له، إلا أن ذلك الأمر أثار توتراً في العلاقة بينهما حين كشف عن هويته أخيراً، فالثقة يمكن أن تتعزز حتى بعد الاختبار، لولا حب بينيلوبي له ووفائها الصادق.

وبعض الاختبارات قد تسبّب ردة فعل عكسية، كقصة الملكة التي كانت تحب فارساً من فرسان المملكة وأرادت اختبار ولائه لها، فطلبت منه أن يختار بين البقاء معها أو مع أصدقائه الفرسان، واختار الفارس الولاء للملكة على الرغم من أنه كلفه خسارة أصدقائه، وعندما اكتشفت الملكة ما فعلته شعرت بالندم لأنها أجبرته على التضحية بأشياء مهمة في حياته من أجلها، وأدركت أنها لو كانت تثق به منذ البداية لما كان هناك داعٍ لهذا الاختبار.

إن الاختبارات أداة لفهم مشاعر الطرف الآخر، لكنها تحتاج إلى أن تكون مبررة ومتوازنة لتجنب إلحاق الضرر بالعلاقات، وبالثقة والاحترام المتبادل باعتبارهما الأساس في أي علاقة ناجحة.