الثقة بين الشريكين أحد أركان الحياة الزوجية التي يصعب أن يكتب لها النجاح والاستمرار بدونها، فهي الملاذ الآمن للخروج من أي مشكلة يمكن أن تعصف باستقرار تلك العلاقة، إلا أن هناك بعض الحالات التي تعيش في صراعات مستمرة بسبب فقدان الثقة، خاصة إذا ارتبطت بسلوك تسبب في جرح غائر كالخيانة على سبيل المثال.
وهنا نتوقف قليلاً ونتساءل: هل يمكن أن يحفظ الرباط المقدس الزوجين من الوقوع في براثن أزمات الثقة، أم هذا لا يكفي؟
تزودنا عائشة وليد النقبي، كوتش حياة ومدرب معتمد، بأبعاد المشكلة، وتقول «الثقة أحد أهم أركان نجاح العلاقة الزوجية، فبدونها لا يكون هناك أساس صحيح في العلاقة وهو ما يؤدي إلى زعزعة الأمان بين الطرفين وتقليص مساحة الصدق في الحوار بينهما. وبلا شك تترك المواقف الصعبة جرحاً غائراً عند من تجرع آلامها، ولكن هناك تصرفات تبدو بسيطة إلا أنها تؤدي إلى نفس النتيجة مثل السخرية من طريقة الكلام أو الأفعال مما يشعر الطرف الآخر بالإهانة وبالعودة إلى المواقف الصعبة التي قد تترك أثرها لسنوات مثل الخيانة والكفيلة بتدمير أي مساحة ثقة يتمتع بها الشريك، إلا أن ذلك لا يعني حتمية انهيار العلاقة ففي كثير من الحالات تجتاز هذه المواقف وتخرج منها أكثر قوة. والأمر هنا يتوقف على درجة وعي الزوجين ومدى الترابط بينهما، فهناك من يشتري هذه العلاقة بالثمين ويعمل على الحفاظ عليها حتى بعد اكتشافه لشيء شعر فيه بالخذلان، فيعمل على البحث عن جذور المشكلة حرصاً على عدم هدم الأسرة».
وتلفت عائشة النقبي «لابد أن نتوقف قليلاً عندما تكون المرأة ضحية، فكونها كائناً يعتمد على عاطفته في أغلب أمور حياتها نجد أن انعدام الثقة داخلها قد يسلب منها الشعور بالأمان، وهو ما يولد الشك وتتحول الحياة بينهما إلى جحيم. ولكي تواجه أزمة الثقة يجب عليها أن تعطي لنفسها الوقت الكافي للتشافي من الموقف الذي سبب زعزعة ثقتها، وتعمل على تقصي جميع الحقائق التي تفسر الأسباب التي أدت لهذه النتيجة، فالموضوع يحتاج إلى صبر فليس من السهل إعادة الثقة ولكنها ليست مستحيلة. ومن النصائح الجميلة أن يكون الزوجان على استعداد تام لخوض هذا التحدي وفتح باب الحوار الصادق بينهما حتى يعملا على بناء الثقة من جديد».
تقدم عائشة النقبي بعض النصائح في حال رغب أحد الشريكين أو كلاهما في إزالة الآثار السلبية التي تنجم عن زعزعة الثقة بينهما، وهي:
- إبداء النية الصادقة في التغيير والعمل على القيام بالأفعال التي تؤكد على ذلك.
- الحرص على عدم التفوه بأشياء يصعب تحقيقها.
- الاعتذار كونه من شيم الأقوياء ومن واجب الطرف المخطئ أن يعبر عن ندمه في الخطأ الذي حصل وتجديد النية بعدم تكراره مرة أخرى.
- التسامح والغفران خاصة في حال وجود علاقة طيبة بين الاثنين ووجود ماض طيب بينهما، فالجرح سيشفى ولكن يحتاج لأن يلتزم الطرفان بهذا المبدأ وعدم تذكير الشريك بالماضي.
حتى لا يتم توريث انعدام الثقة بين الزوجين للأبناء، عليهما اتباع عدة خطوات لتعزيزها واستقرار الحياة الأسرية
توضح الدكتورة أحلام خطاب، خبيرة تربوية وعلاقات أسرية، «الثقة بين الزوجين تجعل كل طرف يعبر بحرية عن نفسه دون خوف من ردة فعل الآخر، كما أنها تعطي مساحة للصدق وعدم الكذب الذي يؤدي حتماً إلى الشك في حالة اكتشافه وبالتالي يدمر العلاقة القائمة. وحتى لا يتم توريث انعدام الثقة بين الزوجين للأبناء، عليهما اتباع عدة خطوات لتعزيزها واستقرار الحياة الأسرية وهي:
- حفظ الأسرار وعدم الاستهانة بتأثير إفشائها ومعرفة الأبناء بها.
- تغليب الصراحة والوضوح بين الطرفين كونها تزيد الألفة وتقوي الحب وتساعد في إقامة علاقة متوازنة، تكون على مسمع ومرأى من الأبناء الذين يشاركون آبائهم وأمهاتهم كل تفاصيل الحياة، فيتعلمون منهم الصدق والوضوح حتى عند معالجة المشكلات.
تضيف د. أحلام خطاب «التسامح يعد أحد أهم أركان العلاقة الزوجية كونه يشعر الطرف الآخر أنه على الطريق الصحيح فيحفزه للاستمرار وتجاوز الخلافات. يتطلب ذلك تناسي كل طرف للأمور السيئة التي حدثت في الماضي وعدم تذكرها واسترجاعها مع كل مشكلة حتى لا يجعل الشريك في حالة خوف دائمة تضعه تحت ضغط نفسي، ينعكس بالتبعية على الأبناء الذين يخزنون طرق معالجة الأبوين للخلافات القائمة بينهما في ذاكرتهم، فعندما يغلب على خلافاتهما الصوت العالي والاسترسال في جروح سابقة لابد وأن يترك ذلك أثراً كبيراً بداخلهم فينشأون معتقدين أن الأمور لا تحل إلا بهذه الطريقة. أما إذا عالج الأبوان خلافاتهما بعيداً عن الأبناء وبكل حكمة واحترام متبادل فلابد وأن ينعكس ذلك إيجاباً عليهم.
يشير الدكتور أحمد النجار، أستاذ علم النفس الاجتماعي، إلى أن «الثقة بين الأزواج عنصر أساسي لإتمام العقد الذي بينهم، وهو مهم لنجاح العلاقة الإنسانية التي تعتمد على عنصرين أساسيين هما: المودة، وتشمل الحب والأنس والرحمة والعلاقة العاطفية، والعنصر الثاني هو الثقة، والذي يشمل الثقة المادية والاجتماعية والثقة عند الغياب والثقة المرتبطة بالشرف وغيرها، وبدون هذين العنصرين لا يكتمل الزواج. فعند توقيع عقد القران يكون ذلك بمثابة اتفاق ضمني بتبادل هبة الثقة بين الطرفين، والتوقع الإيجابي للعيش بهذا المبدأ في كل مناحي ومواقف الحياة.
وللأسف عندما تفقد الثقة وتتجلى الخيانة بأشكالها المختلفة، سواء كانت عاطفية أو زوجية أو مادية أو اجتماعية، يفقد الطرف الذي خدع ثقته بالآخر، ليتملكه الشك دون أن يشعر ويظل المسيطر على هذه العلاقة، وتصبح هناك حسرة على مثل تلك العلاقات التي تعيش دون روح، إذ يدفع ذلك كله الطرف المخطئ ببذل مزيد من الجهد من أجل استعادة هذه الثقة من جديد، والتي تعد استعادتها أصعب بكثير من اكتسابها، وللأسف هناك علاقات تكمل مسيرتها وهي فاقدة للثقة بسبب الاحتياج للاستمرار وليس حباً وتعلقاً، إلا أن السواد الأعظم منها يهدم بسبب فقدان الثقة ولا يستطيع أطرافها تكملة مشوار الحياة بهذا الشكل».
تحدث الجروح القوية ويحدث معها الانفصال العاطفي