الكذب وسيلة لتجنب الخلافات الأسرية، إذ يعتبرونه «مسكنات» للمشكلات ومنقذاً للخروج من المواقف أو الأزمات، ولكنهم لا يدركون خطورة تلك الصفة المذمومة على حياتهم، وقدرتها على تدمير أي علاقة مهما بلغت قوتها ومتانتها، ناهيك عن تأثيرها السلبي في الزوجة، والتي ربما تعاني أزمة انعدام ثقة تفقدها القدرة على مواصلة الحياة مع رجل تراه صغيراً في عينيها لاتخاذه الكذب نهج حياة.
هناك من تتغاضى عن الكذب طالما الزوج يلبي طلباتها، وأخرى تتجاهل تلك الصفة لتستمر الحياة، إلا أن هذه الحلول لا تعالج المشكلة بل هي مجرد مسكنات
توضح د. هدى حسن النقبي، أستاذ مساعد في قسم علم الاجتماع بكلية الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية جامعة الشارقة «الأصل في الارتباط المقدس أن يكون مبنياً على الصدق، والثقة، والأمان في التعامل بينهما حتى يضمنا استمرار العلاقة الزوجية بالشكل الصحيح، فقد يثير الكذب مشكلة في بعض الأحيان وبالإمكان تجاوزها، أما أن يدمن أحد الطرفين هذه الصفة ويصبح أسلوباً لحياته، فهذا يثير مشكلات قد لا يستطيع الآخر تجاوزها، بل وفي أحيان كثيرة تطلب الزوجة الطلاق للضرر إن أثبتت أنه بكذبه قد تضررت نفسياً ومعنوياً وأثر ذلك في أبنائه كونه يعتبر قدوة لهم».
وتضيف «هناك مفهوم خطأ لدى بعض الأزواج، كونهم محور حديثنا، بأن يلونوا الحقائق كيفما يشاؤون ليتفادوا المشكلات والشجار مع شريكة الحياة مدعين بأنها كذبة بيضاء لا تضر، وكم من قصص كثيرة سمعتها من بعض المتزوجات القريبات مني متعلقة بهذا الموضوع، إذ يجمعن بأن حبل الكذب قصير ويتم كشفه بسهولة، وهناك من تتغاضى عنه طالما الزوج يلبي طلباتها، وأخرى تتجاهل تلك الصفة لتستمر الحياة، إلا أن هذه الحلول لا تعالج المشكلة بل هي مجرد مسكنات لألم كبير، وهناك الكثير من الحلول التي يجب على الزوجة القيام بها إن أرادت استمرار الحياة بشكل صحيح، فلا شيء أفضل من المصارحة بين الزوجين وعقد جلسة للبحث عن الحلول المناسبة، والتي تساعد الزوج بتحري الصدق في حديثه وعدم الكذب، كما يمكن الاستعانة بالأشخاص المقربين بالزوج أو ذوي الاختصاص من معالجين وأخصائيين نفسيين في حال تم تصنيف الكذب كحالة مرضية ووجب علاجها، فبالنسبة لي أرفض التعايش وبشكل قاطع مع الزوج الكاذب فهو إنسان لا يؤتمن على أسرة وأبناء».
لكذب الزوج علامات يعرف من خلالها
د. أشرف العسال، إعلامي ومستشار أسري، يقول «يعد الصدق من أعظم وأرقى الصفات الإنسانية، ومن أهم الأسس في بناء المجتمع وتحقيق سعادته، ولا تنجح الحياة الأسرية وتستمر إلا بوجود مقومات أهمها الصدق، فالذي يكذب قد يغش ويغدر ويخون، وهو بداية لهدم كيان الأسرة وانهيارها، ولكذب الزوج علامات يعرف من خلالها، منها إبعاد وجهه عن الزوجة وعدم التركيز في عينيها خشية انكشاف أمره، كما أنه يلجأ إلى الصوت العالي ليخفي كذبه، كذلك يعرف الكاذب باحمرار وجهه وعدم الثبات وكثرة الحركة وغلق الحديث فجأة، وإذا سألته الزوجة عن شيء يتعلق بالمشكلة موضوع الخلاف بعد فترة ولو قصيرة تجد التناقض في حديثه، فالحقيقة تظل حكايتها ثابتة وإن أعيدت ألف مرة أما القصص الكاذبة فينساها صاحبها إن سئل عنها ولا يستقيم سرده لها فيحتاج للكذب لمجاراة قصصه المختلقة».
لمعالجة الكذب عند الزوج، ينصح د. أشرف العسال الزوجات باتباع عدة خطوات:
- الهدوء عند النقاش مع الزوج وتحليل الموقف الذي كذب فيه
- عدم العصبية أو إهانة الزوج وسبه بعبارات تجريح، فهذه المسألة كفيلة بإشعال نار الرجولة عنده مما تصل الحال بالبعض لرد الإهانة بالعنف اللفظي أو الجسدي وربما معاقبتها بإلقاء كلمة الطلاق انتقاماً لرجولته رغم أنه هو المخطئ
- يجب على الزوجة أن تشعره أثناء النقاش بأنها تريده في أحسن صورة وتوضيح أن الكذب يضيع هذا، وعليها أن تشعره بالأمان ليسترسل في الحديث ويطلعها على الحقيقة، وأن تجعله يشعر بأن إيقافه عن الكذب ليس شغلها الأساسي، بل معرفة المشكلة الحقيقية التي دفعته لهذا السلوك هو الأهم.
ويؤكد د. أشرف العسال « قد يكون سبب كذب الزوج خوفه من غضبها وردة فعلها تجاه بعض الموضوعات فيضطر لإخفائها، أو من الممكن أن تكون ضعف شخصيته بسبب ضعفه المادي أو الاجتماعي، أو ربما نشأته في بيئة تعودت الكذب هي التي دفعته لذلك».
ويتابع، موجهاً حديثه للزوج «هناك أشياء تجعل الرجل يسقط من نظر زوجته، ومنها: عدم احترامها والسخرية منها أمام الأهل والغرباء، وخيانتها والكذب عليها، ولينتبه الرجل إلى نقطة مهمة وهي أن تعويد المرأة على كذب زوجها يجعلها متمردة وأكثر عدوانية، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا كان الكذب ينجي فالصدق أنجى»، فكل العيوب لها دواء إلا الكذب، فلا دواء له إلا تركه وتجنبه».
أنواع الكذب
تبين الدكتورة هبة شركس، مستشار علاقات زوجية في آسيا أكاديمي «هناك نوعان للكذب، الأول ويحمل إخفاء لبعض الحقائق يلجأ إليه الزوج لتجنب شريكة حياته أي ألم نفسي، ويحدث على فترات متباعدة، أما النوع الثاني فيلجأ إليه الزوج بدون داع أو أي سبب منطقي ويتصف صاحبه بقدرته على تأليف أحداث وحوارات وروايتها بحبكة وتصاعد درامي، وهو كذب مرضي قد يكون بسبب أزمة أخلاق ومشكلة في التربية، كأن تكون لديه قدرة على السرد والخيال الواسع ويفتقد الاهتمام من ذويه، فيلجأ لاختلاق الأحداث حتى يلتف حوله الناس وينصتون باهتمام، وهو ما يشبع حاجة في نفسه فيبدأ باعتماد هذا الأسلوب في حياته كلها، وهناك أبحاث طبقت على الأشخاص الذين يعانون الكذب المرضي ووجدوا تغيرات مختلفة في أدمغتهم تشير إلى أن هؤلاء يتمتعون بالخيال الواسع والقدرة على بناء قصص من لا شيء».
وتواصل «الشخص المريض بالكذب لديه القدرة على مواجهة حالته، بشرط أن تتوافر بداخله الرغبة في التخلص منها، وأن يستشعر خطرها على علاقته الزوجية لأنها تؤدي إلى انعدام الثقة وكثرة الخلافات، خاصة إذا تمتع الطرف الآخر بالصدق والشفافية ولديه مبادئ نبيلة، وللأسف قد يؤدي هذا إلى وقوعه في براثن الاضطراب النفسي والقلق المرضي ويظل يسأل نفسه لماذا يتصرف بهذا الشكل ولا يجد إجابة مقنعة، وأنصح الزوج بأن يلجأ إلى اختصاصي العلاقات الزوجية للعلاج».