أكثر النساء يسعين لتغيير شكلهن بشكل متواصل، وعادة يشمل هذا التغيير إبدال لون الشعر بآخر جديد أو تغيير قصته بأخرى حسب الموضة، فالنساء يعشقن التجديد والمرأة بطبيعتها تزداد ثقتها بنفسها إذا امتدحها زوجها أو آخرون وأبدوا إعجابهم بها والتغيير الذي طرأ عليها. ولأن الطب التجميلي وصل لطفرة كبيرة خلال السنوات الأخيرة، لم يعد تغيير الشكل وإخفاء العيوب مجرد عادة تصيب بعض النساء بل تحول إلى هوس حقيقي لدى البعض ممن يسعين لمزيد من الجمال أو تقليد النجمات المفضلات لديهن، فالبحث عن الأنف الجميل والشفاه الممتلئة والقوام المثالي والوجه الذي يشع حيوية وبريقاً خالياً من التجاعيد هو الهدف الذي تلهث وراءه هؤلاء النسوة ولا يجدن حرجاً في إنفاق الآلاف من المبالغ من أجل تحقيقه ليحصلن في النهاية على «نيولوك».
طرحت «كل الأسرة» قضية هوس النساء بتغيير شكلهن بحثاً عن الجمال وهرباً من تقدم العمر وظهور التجاعيد، بأبعادها النفسية على عدد من المتخصصين في الاستشارات النفسية وتعديل السلوك وسألتهم حول مرض اضطراب التشوه الجسدي و«فوبيا» تقدم العمر، ومتى يصل البحث عن الجمال والاهتمام بالنفس إلى هوس ومرض نفسي؟
إن طريقة معاملة الزوج لزوجته ونظرته للجمال تؤثر في نفسية المرأة، وقد تخضع إلى جراحات تجميلية لتبقى جميلة بنظره
أهمية بث الثقة في نفوس الفتيات منذ فترة المراهقة
في البداية، تؤكد الدكتورة أميرة الساعي، استشارية الصحة النفسية والدعم النفسي للمقبلين على الزواج بالقاهرة، أن تكوين الإنسان النفسي وخاصة المرأة يجعل منه «فريسة» سهلة لكل ما يتعلق بجمال شكله وإخفاء أي عيب يراه في نفسه، ولعل الذين يزورون العيادات التجميلية باستمرار خير دليل على ذلك، وترى أن نقص الثقة بالنفس والشعور بالدونية أكثر الأسباب النفسية التي تدفع المرأة لزيارة عيادات التجميل بانتظام. وتقول «إن طريقة معاملة الزوج لزوجته ونظرته للجمال تؤثر أيضاً في نفسية المرأة، وقد تجعلها تبحث دائماً عن تغيير شكلها وقد تخضع إلى جراحات تجميلية لتبقى جميلة بنظره، كما أن هناك بعض الاضطرابات النفسية حول صورة الذات تشجع المرأة للخضوع إلى هذه الجراحات التجميلية. وبعض النساء، خصوصاً المراهقات منهن، لا يقبلن صورتهن الخارجية، وينشغلن بالنظر إلى أحد ملامحهن التي لا تعجبهن، وهذا ما يؤدي إلى مشاكل نفسية خطيرة».
لكن الدكتورة أميرة الساعي ترى أيضاً أن البحث عن تجديد الشكل وتغيير «اللوك» له بعض الحسنات ومنها أنه يمكن للشكل الخارجي أن يفتح آفاقا جديدة على الصعيدين الاجتماعي والمهني، أو أن يغلقها، كما أنه يمكن لعمليات التجميل معالجة بعض المشاكل الزوجية التي يكون سببها الرئيسي فقدان الإعجاب بين الزوجين. كما أن الإعجاب وحب الذات أيضاً من حسنات عمليات التجميل، لكن شرط ألا يتحول هذا الحب إلى هوس أو نرجسية. وتشدد الاستشارية النفسية على أهمية بث الثقة في نفوس الفتاة منذ فترة المراهقة والتأكيد لها على أن جمال المرأة يبدأ عندما تثق المرأة بنفسها، وثقة المرأة بنفسها تنبثق من سلامها الداخلي الذي يؤثر بالتالي في جمالها الطبيعي الخارجي الذي وهبه الله لها.
المعاناة من التنمر أيضاً أحد أسباب سعي المرأة نحو الاهتمام بشكلها وقوامها حتى وإن اضطرت للخضوع لعمليات تجميل لأن هذا التنمر هو الذي يجعل البعض غير واثق في شكله الخارجي
صورة المرأة كإنسان له طفولته وصباه وشبابه وكهولته غير متداولة وغير معترف بها
ولكن ومن جانبه يحذر الدكتور هشام حتاتة، استشاري الطب النفسي والعلاقات الأسرية، من الانسياق وراء الرغبة في أن نصبح أكثر جمالاً لأنها أحياناً قد تتحول لدى البعض إلى هوس مرضي، ويبين «الهوس بتغيير «اللوك» وعمليات التجميل يكون نابعاً من الرغبة في الوصول إلى كمال الشكل الخارجي كممثلات السينما وفتيات الإعلانات وعارضات الأزياء، ما يجعل المخاطرة تستحق لدى بعض النساء.
فالمرأة إنسان يملك جميع المقومات الجسدية والنفسية ليشكل وجوده كياناً مستقلاً، تميل بطبيعتها الفطرية لتبقى جميلة وجذابة، وتختلف نظرة النساء تجاه ذلك بحسب الوعي الخاص بكل واحدة، إلا أن الغالبية يرغبن بأن يكن جميلات».
ويرى أن المعاناة من التنمر أيضاً أحد أسباب سعي المرأة نحو الاهتمام بشكلها وقوامها حتى وإن اضطرت للخضوع لعمليات تجميل لأن هذا التنمر هو الذي يجعل البعض غير واثق في شكله الخارجي، ما يوصله إلى أخذ القرار بالخضوع لعملية جراحية للحصول على الشكل الذي، في اعتقاده، يساعد الآخرين على تقبله بشكل أفضل. كما أن بعض السيدات يكون لديهن عدم رضا عن جزء معين في الجسم، مما يقلل ثقتهن في أنفسهن ويؤثر بشكل مباشر في حالتهن النفسية.
ويلفت الدكتور هشام حتاتة إلى أن هناك أسباباً وراء إخفاء المرأة لسنها ولأي علامات لتقدم العمر لديها، والسبب في ذلك الصورة التي رسمتها الثقافات عن المرأة وهي صورة المرأة المرتبطة بالخصوبة والمرأة الشابة وما يسمونه «حواء الخالدة» التي تستطيع أن تبقى دائماً جميلة سواء في عيون زوجها أو عيون المجتمع ككل، ولكن صورة المرأة كإنسان وكائن طبيعي له طفولته وصباه وشبابه وكهولته هي صورة غير متداولة وغير معترف بها! كما أن هناك ضغوطاً نفسية واجتماعية تمارس ضد المرأة وخاصة تسمية سنها المتقدمة «بسن اليأس» والرجال هم جزء من المنظومة الاجتماعية التي تدفع المرأة لذلك، ومع ذلك ليس كل النساء حريصات على إخفاء أعمارهن وشعرهن الأبيض وملامح تقدم العمر عليهم لأنهن يستطعن أن يتحررن من القيود التي تفرضها عليهن تلك الصورة وينظرن إلى أنفسهن ككائنات طبيعية تعيش عمرها الحقيقي.
الزوجة التي تزوجت من رجل «عينه زائغة» تفقد ثقتها بنفسها وتبدأ في تجديد نفسها من خلال عمليات التجميل بحثاً عن «لوك» جديد يعيد زوجها الهارب
الرجال السبب أحياناً
أما الدكتور أوسم وصفي، استشاري الطب النفسي وخبير العلاقات الزوجية، فيرى هو الآخر أن المرأة على مر العصور تمتاز بالاهتمام بجمالها بشتى الطرق والوسائل المتاحة لتبدو دائماً أجمل وأصغر سناً خاصة أن الرجل دائماً يتوق إلى المرأة الأصغر سناً، وبعض الرجال لديهم هوس بالنساء الصغيرات. ويشير خبير الصحة النفسية إلى أن المرأة عادة ما تكون أكثر تعرضاً لحالات الانهيار العصبي والاكتئاب، خاصة إذا كانت تعمل إلى جانب مهامها المنزلية، وهذا يرجع إلى اختلاف طبيعة الهرمونات بين الرجل والمرأة، فتقلبات الهرمونات هي التي تتسبب في زيادة الشعور بالاكتئاب لدى الإنسان، وهذه التقلبات تحدث لدى السيدات بشكل أكبر، والضغط النفسي المستمر يؤدي بالتأكيد إلى ظهور علامات كبر السن في وقت أسرع.
ويوضح د. أوسم وصفي أن عدم الثقة بالنفس هي التي تعمل دوراً كبيراً جداً في جري بعض النساء وراء عمليات التجميل، فالزوجة التي تزوجت من رجل «بصباص» و«عينه زائغة» تفقد ثقتها بنفسها وتبدأ في البحث عن تجديد وتطوير نفسها من خلال عمليات التجميل بحثاً عن «لوك» جديد يعيد زوجها الهارب من جديد بعد أن تحطمت ثقتها في أنوثتها، رغم أن المشكلة قد تكون في الزوج نفسه فهو يبحث عن الأخريات إما لداء يجري في دمه أو لأنه يبحث لنفسه عن عالم جديد بعيدا عن الزواج والنكد والخلافات والمسؤوليات المستمرة.
ويلفت الدكتور أوسم وصفي إلى أن بعض النساء يكون لديهن «فوبيا» من فقدان جمالهن وكذلك اضطرابات التشوه الجسدي وهو مرض نفسي صعب جداً، ويظهر على عدة أشكال، وتكون لدى المصابين به أفكار وتصورات خاطئة مستمرة، تتعلق بمظهرهم.