09 سبتمبر 2021

د. باسمة يونس تكتب: كذب إلى درجة الصدق

كاتبة إماراتية، دكتوراه في القيادة التربوية. أصدرت (10) مجموعة قصصية، (4) روايات،(12) نص مسرحي وعدة أعمال درامية وإذاعية .حاصلة على أكثر من( 22 ) جائزة في مجالات الرواية والقصة والمسرحية

د. باسمة يونس تكتب: كذب إلى درجة الصدق

يكذب الطفل خوفاً من عقوبة قد تؤذيه، ويكذب البالغ خوفاً من مصيبة مرتقبة قد تدمره، وبسبب ذلك، أصبح الكذب مبرراً إلى درجة الاعتقاد أحياناً بأنه أفضل من الصدق عندما يُنقذ روحاً مظلومة أو يُنجيها من شرور لا مجال للفرار منها. وقبل آلاف السنين جادل أفلاطون بأن الكذب يمكن أن يصبح مباحاً ونافعاً عندما يحتاج إليه الناس، ليكون دواء معالجاً، ووقاية من شرور أو حماقات قد يرتكبها البعض بسبب الصدق، وهو ما يجعلنا نتساءل عمّا سيحدث للحقيقة في ظل اقتراف الكذب، والتبجح به.

ويكذب البعض إلى درجة الاعتياد عليه وتصديقه، كما فعل أشعب الذي اضطر للكذب على أطفال يلعبون أسفل بيته، ويُقضّون مضجعه، مدعياً بأن فلاناً يقيم وليمة في منزله، فأسرع الصغار ناحية منزل المذكور، للحصول على نصيبهم من الوليمة. وقبل أن يغمض عينيه لينام، أيقظته أصوات الأطفال يتنادون ويهرولون في الطرقات، فأطل من النافذة يسألهم عن سبب جريهم، ليخبروه بأن فلاناً يقيم وليمة في منزله، فما كان منه إلا أن ارتدى ثيابه ونزل إلى للشارع يجري مع الأطفال علّه يلحق بشيء منها!

ويكذب البعض من أجل الحصول على فائدة، غير مدركين لتأثير الكذبة، وما يتبعها أو ما قد تتسبب به، ككذبة السلطان الذي حذّر أبناء مملكته يوماً من اقتراب مجيء شتاء قارس، وطلب منهم جمع الحطب، استعداداً لمواجهته. لم يكن السلطان قد سأل خبير الأحوال الجوية في مملكته عن توقعات المناخ قبل أن يحذر أبناء مملكته منه، وكانوا قد جمعوا الحطب وخزنوه، خوفاً من أن يمنعهم الشتاء وصقيعه من الخروج من بيوتهم لقطع الشجر، والحصول على تدفئة. وبينما هم يعملون جاهدين، أرسل السلطان مبعوثاً إلى خبير بالطقس، يسأله عن توقعاته حول مجيء الشتاء، وشعر بالارتياح حينما أبلغه الخبير بأن الشتاء المتوقع، سيكون بارداً إلى درجة غير معهودة، وقبل أن يشكره السلطان على ذلك، أكمل الخبير بأنه تأكد من أن شتاء هذا العام سيكون شديد البرودة بعد أن رأى أفراد الشعب يقطعون ويجمعون ويخزنون الحطب بكميات هائلة لم يسبق لهم أن جمعوا مثلها من قبل!

أما الكذبة الأشد خطورة فهي التي تجبر البعض على تصديقها مثل حكاية الملك الذي أعلن عن تقديم تفاحة ذهبية، تُمنح لصاحب أفظع كذبة لم يسمع مثلها من قبل، فتقدم رجال ونساء من جميع الفئات والطبقات، كل منهم يروي أكذوبة عجيبة، لكن الملك الذي لم يسمع كذبة لم يسمعها من قبل، اتخذ قراراً بعدم منح الجائزة لأحد. وفي اليوم التالي قصد قصره رجل فقير يطلب الدخول عليه، وقال له: أنت مدين لي يا مولاي. فسأله الملك مستغرباً: وبماذا أنا مدين لك؟ قال الفقير: تفاحة من الذهب هي أمانة لي عندك. وهنا صاح الملك مستغرباً: يا لها من كذبة لم أسمع أفظع منها من قبل، كيف تجرؤ على الادعاء بذلك؟ قال الفقير: أنا كاذب إذاً، وهذا يعني أني فزت بالمسابقة، وهنا تردد الملك وقال: كلا لست كاذباً، لذا لن تنال الجائزة، فقال الفقير: تعترف إذاً بأني صادق، وأن التفاحة الذهبية أمانة لي عندك؟

وخرج الفقير ومعه التفاحة الذهبية!