الشك وفقدان الثقة بين الزوجين هما من أهم أسباب فشل الزواج، ذلك أنهما يؤديان إلى مشكلات كثيرة قد تنتهي بالطلاق. وتبقى الثقة المتبادلة الضمانة الوحيدة لاستمرار الحب والسعادة الزوجية، إن فُقدت تزعزع الاستقرار وساد القلق والتوتر لتنتهي العلاقة بالفشل والانفصال. بيد أن الشك، وإن كان مرفوضاً، يمكن أن نصنفه بين ما هو مشروع ومنطقي من جهة وما لا يناسب علاقة الزواج من جهة أخرى.. «كل الأسرة» استطلعت الآراء وسألت المختصين في العلوم النفسية والأسرية للوقوف على أسباب «الشك» بين الأزواج وتأثيراته في الحياة الزوجية، وكان هذا التحقيق:
1- ضرورة التفريق بين الغيرة والشك
تصف الاستشارية الأسرية ميساء شحادات الثقة بأنها «عمود العلاقة الزوجية وعامل مهم من عوامل استمرارها، لكن هذا لا يعني اللامبالاة والغفلة إنما الاطمئنان الواعي، أساسها حسن الاختيار وثقة كل من الشريكين بذاته الذي ينعكس إيجاباً، فالشعور بالنقص لدى أحدهما قد يكون سبباً مهماً في التشكيك في الطرف الآخر لظنه أنه قد يجد ما ينقصه في الآخرين.. فينسج في مخيلته قصصاً وهمية ويرسم سيناريوهات لا أساس لها من الصحة تعود في الحقيقة لشعوره بالنقص وخوفه أن يبحث الشريك عما ينقصه مع آخر». توضح شحادات أبعاد الحوار الناضج في زيادة الثقة وتعزيزها، فتقول «يكون مثمراً ويزيد من الثقة ويجعل كل شريك صديقاً مقرباً لشريكه عندما يكون للتعبير عن المشاعر والأفكار والاحتياج ويقابل بالاستماع والتفهم والتعاطف من الطرف الآخر».
وتبين شحادات رغبة بعض الأزواج في الإبقاء على جوانب معينة من حياتهم في طي الكتمان، فتقول «عدم الوضوح يثير شك الزوجة ويشعرها بوجود منطقة عمياء لا تتمكن من تبين ملامحها في حياة الزوج وتولد لديها أفكاراً ربما لا تتوافق مع حقيقة الوضع وتؤثر في استقرار العلاقة فتغيب الشفافية وتولد الغيرة والشك»، وتشير إلى ضرورة التفريق بين الغيرة والشك «الغيرة الزوجية شعور فطري ينتج عن الاهتمام بالشريك وخصوصية العلاقة بينهما.. أما الشك فهو تعبير مشوه عن هذا الاهتمام تدخل فيه أفكار فيها انتقاص من حسن سلوك الآخر وسوء الظن به ولربما كان نتيجة للغيرة المرضية التي تجعل من العلاقة الزوجية علاقة تملك لا مشاركة ما يخنق أحد الطرفين، من مراقبة الطرف الأخر وتدقيقه وسوء تفسيره للمواقف، وهذا يولد علاقة تعاني الإرهاق والاستنزاف»، وتشرح سوء الظن في إطلاق الأحكام» هو تشويه فكري يبنى على عدم التحقق والتبين ويأخذ بظاهر الأمور وفق تفسيرات سلبية لا واعية تعتمد على الخبرة السلبية التي اكتسبها الشخص خلال تنشئته مما يؤثر في مشاعره فتكون ردود أفغاله وتصرفاته لاواعية وغير مبنية على الحقيقة».
2- المصارحة بين الأزواج
توضح المستشارة الأسرية واقع بعض الزوجات «لعل ما اكتسبته الزوجة من معلومات وخبرات خلال تنشئتها الاجتماعية بأن الزوج لا أمان له وجميع الرجال يسعون لإقامة علاقات خارج مؤسسة الزواج، هذا التفكير باللاوعي لديها سيجعلها تفتش وراء زوجها في جواله وعلاقاته وعمله، وكل تأخير تريد تفصيلاً عنه وتظن السوء به».
وتستشهد بقصة إحدى الزوجات تملكتها الغيرة عندما عبرت عن شكها بسلوكيات زوجها التي تتسم بالغموض خلال إحدى جلسات الدعم الأسري، قائلة «بعد عودته من العمل يدخل الغرفة لساعات طويلة يتحدث على مواقع التواصل، يغلق جهازه بكلمة مرور ويتأخر كثيراً في العودة مساء للبيت في الكثير من الأحيان».
توجه شحادات بضرورة الاهتمام بالحالة النفسية لما لها من دور مهم في المصارحة بين الأزواج «كلما استقرت نفسية الزوج، أو الزوجة، كلما كان أكثر ثقة في نفسه وسلوكياته، تدعيم الثقة هو عماد العلاقة الزوجية، بالصراحة والوضوح والابتعاد عن الخداع والغموض يؤسس لبناء علاقة مستقرة بين الطرفين».
3- طفولة قوامها الثقة تخلق علاقة آمنة بالآخرين
تشير المستشارة النفسية د. هبة شركس، إلى صعوبة حصر الشك بين الأزواج بنوع واحد، فتقول «هناك شك مبني على حقائق وأسس كالخيانة والكذب، وهو شك مشروع ومنطقي لكنه يهدم الثقة ويضر بها ويحتاج لوقت طويل لعلاجه واختفائه»، لا تقتصر أسباب الشك على ذلك «يمكن أن يكون إخفاء بعض المعلومات المهمة للطرف الثاني، كأن تتفاجأ الزوجة بديون كثيرة تثقل كاهل زوجها أو عدم معرفتها بمعلومات مهمة أو أي سلوك آخر يزعزع الثقة، هنا يكون الشك رد فعل طبيعي يخلو من أي اضطراب أو مشاكل نفسية أو اجتماعية، وهذا ما نبدأ بالبحث عنه عند أي طلب استشارة سببها الشك».
توضح شركس الأسباب التي تجبر الأزواج على الكذب أو إخفاء المعلومات أو أي سلوكيات تثير الطرف الآخر «قد تدفع الرغبة الملحة بعض الأزواج للحصول على الاهتمام والمزيد من العطاء أو التأكد من صدق المشاعر أو إشعار الطرف الآخر بالخطر إلى تعمد إثارة شكوكه، وهي طريقة لا تناسب العلاقات العميقة كالعلاقة الزوجية، إذ لها أبعاد سلبية وردود أفعال عكسية تقوض العلاقة ولا تبنيها». تنتقل شركس لنقطة اختلاف الأفكار والتوجهات» غياب التوافق بين الطرفين يدعو أحدهما إلى الكذب، كأن تكون لأحدهما ميول ادخارية تصبح عامل تضييق للطرف الآخر تجبره على إخفاء مقدار دخله الحقيقي أو يضطره للكذب أو إخفاء القيمة الحقيقية للمشتريات لتفادي الصدام، الحال عندما يكون أحدهما منفتحاً محباً للتغيير وتكوين العلاقات الاجتماعية والآخر متحفظاً منغلقاً، هنا يكون الكذب حاضراً على الرغم من مشروعية العلاقات مما يثير الشكوك عند الشريك».
تعرج شركس على نقطة عدم القدرة على الإيفاء بالالتزامات اليومية والوعود المستقبلية «من العوامل التي تثير الشكوك والريبة بين الزوجين التشكيك بقدرة الشريك على الوفاء والالتزام أكثر من قدرته على الإنجاز ما يزعزع الثقة بالنفس»، تكمل «العلاقات الأولى في حياة الإنسان هي من تحدد علاقاته المستقبلية، طفولة قوامها الثقة تخلق علاقة آمنة بالآخرين».