16 يوليو 2020

إنعام كجه جي تكتب: ثورة الجمال الأسمر

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

إنعام كجه جي تكتب: ثورة الجمال الأسمر

حذفت شركة «لوريال» الفرنسية كلمة «تبييض» من مستحضر شهير لها يساعد في تبييض البشرة. فالشركة الواسعة الانتشار في العديد من البلدان لا تريد أن تضع نفسها في مرمى جمعيات حقوق الإنسان التي تنشط ضد التمييز العنصري. 

وسرعان ما تناقلت صحف العالم أخبار قرار «لوريال» وكأنه خطوة عملاقة في نضال السود ضد مضطهديهم. أولاً، لابد من توضيح أن البشرة السمراء والبشرة السوداء والبشرة الصفراء ليست أقل جمالاً من البيضاء. 

إن الجنس البشري يزدهي بألوانه مثل بستان متعدد الأزهار والثمار. لكنها «الثقافة البيضاء» التي غزت ديارنا من خلال الصور والأفلام والإعلانات والروايات، على مدى عقود وعقود. ونحن استسلمنا لها وتصورناها الأفضل والأجمل. يولد لنا طفل أقل سماراً من أشقائه، وبشعر فاتح، فنفرح ونبتهج ونعامله وكأنه درة البيت. 

تكبر بناتنا وتصبغن شعورهن السوداء الرائعة بألوان هجينة، وتطفئن جمر العيون السود بعدسات كأنها زجاج أزرق وأخضر.

ثانيًا، يبدو لي قرار «لوريال» سخيفاً لأنه يغطي على المشكلة ولا يعالجها. فما معنى حذف كلمة واحدة تدل على وظيفة البضاعة، أي المستحضر الذي يفترض أنه «تجميلي»، مع الإبقاء على إنتاج وتسويق المستحضر الذي تملأ إعلاناته شاشات فضائياتنا؟. 

ثالثاً، إن قرار «لوريال» لا يصدر عن قناعة بالأضرار النفسية والجسدية التي يترتب عليها حثّ النساء على تغيير اللون الطبيعي لجلودهن. 
إنه مجرد مسايرة مكشوفة للثورة التي اشتعلت شرارتها في الولايات المتحدة، بعد مقتل المواطن الأسود جورج فلويد، ثم انتقلت إلى القارة الأوروبية. وهي ثورة لا تحتج على العنف البوليسي ضد الأمريكيين من أصل إفريقي فحسب، بل على كل الرموز والصروح والتماثيل واللوحات والشخصيات التاريخية ذات العلاقة بالرقيق. نحن في حاجة إلى حملة تعيد الاعتبار للجمال الأسمر، والجمال الأسود، ليس في الأغاني الخفيفة فحسب و«جميل وأسمر بيتمخطر»، بل في التربية البيتية وصفوف المدارس والنوادي الرياضية والجمعيات الثقافية. 

إن مايكل جاكسون الذي قام بـ «غسيل» جلده بمسحوق يغسل أكثر بياضًا، انتهى في نهاية عمليات التبييض والتجميل إلى ما يشبه المسخ المشوه. فهل أحبه المعجبون والمعجبات بفضل لونه أم لموهبته الأكيدة؟ وهل كانوا سيتخلون عنه لو هو احتفظ ببشرته السوداء مثل الأبنوس؟ الجواب هو حجم الحب الكبير الذي ما زال يحظى به مغني الجاز لويس آرمسترونج والممثل سيدني بواتييه ونجمة الغناء ويتني هيوستن وبطل الملاكمة محمد علي كلاي والزعيم الأسطورة نلسون مانديلا. 

من ينكر أن هناك اليوم انتفاضة عالمية تجري في الغرب وتصل أصداؤها إلى الشرق؟ وإذا كانت الشرارة قد بدأت بسبب عنف شرطي أبيض ضد مشتبه به أسود، فإنها مناسبة لمراجعة الكثير من أنماط التفكير المجحف في حق الأفارقة السود (لم يكن الشاعر والرئيس السنغالي الكبير سنغور يتردد في تسميتهم بالزنوج ويتباهى بالزنوجة) والآسيويين الصفر والعرب السمر والسكان الأصليين للقارة الأمريكية الذين أطلق عليهم الغازي الأبيض تسمية الهنود الحمر. هي أكثر من انتفاضة، فقد حان الوقت لثورة في النظرات الثقافية التاريخية للشعوب ومعاقبة التمييز مهما كان مصدره. من يصدّق أن فرنسا، بلد حقوق الإنسان، لم تسمح لمذيع أسود بتقديم نشرة الأخبار في التلفزيون إلا في عام 2006؟

اقرأ أيضًا:
إنعام كجه جي تكتب: اذكروا محاسن "كورونا"