10 ديسمبر 2024

د. هدى محيو تكتب: الدماغ يشيخ أيضاً لأسباب اجتماعية

أستاذة وباحثة جامعية

مجلة كل الأسرة

العمر واحد كما يُقال؟ صحيح، هو العمر المدوّن على بطاقة الهوية والمحسوب بسنوات الزمن. لكن العمر صار له أكثر من مفهوم، فمنهم من يحسب عمره باللحظات السعيدة التي عاشها، ومنهم من فقد بوصلة الزمن ولم يعد يحسب عمره.

أما في المجال العلمي، فثمة في علم النفس ما يسمّى بالعمر العاطفي، وهو يقيس مدى النضج النفسي لدى المرء، وفي الفيسيولوجيا لدينا عمر الخلايا التي تتجدّد في كل عضو بحسب وتيرة الواحدة منها، وبحسب درجة محافظة الواحد منا على صحته. وقد برز أخيراً، مفهوم جديد هو عمر الدماغ الذي يعكس الحالة الصحية للدماغ، ومستوى أدائه.

وهكذا، فقد تم تحديد حالة الدماغ في الخمسين مثلاً، أو عمر الدماغ في الخمسين، بعد حساب متوسط نشاط الدماغ لدى آلاف الأشخاص الذين يبلغون خمسين عاماً على بطاقة الهوية. لكن قد يكون الشخص في الخمسين بينما نشاط دماغه يشبه نشاط دماغ أغلبية الأشخاص الذين يبلغون السبعين. وبحسب دراسة أجريت أخيراً، فإن عمر الدماغ يتأثر، جزئياً، بعوامل بيئية، كالتلوث والحصول على رعاية صحية، من عدمها، وبحسب المنطقة التي نعيش فيها، وأيضاً بحسب البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها.

قد يطول شرح طريقة الوصول إلى هذه النتيجة، لكن يجدر القول إن الباحثين في مركز العلوم العصبية المعرفية في «سان أندريس»، بالأرجنتين، قد استعانوا بالذكاء الاصطناعي لإجراء دراسة على عيّنة واسعة جداً من البشر، في سبيل التأكد من وجود علاقة بين نشاط الدماغ والعمر، مع الأخذ في الاعتبار العوامل الآنفة الذكر. وقد تمكّن هذا الذكاء من تقدير عمر دماغ الفرد، مستنداً إلى حالة دماغه، وحسب.

اللافت في الموضوع، أن الأشخاص الذين يعيشون في مناطق من العالم، حيث تسود تفاوتات اجتماعية واقتصادية كبيرة جداً، يملكون عمر دماغ أكبر من أولئك الذين يعيشون في مجتمعات أكثر عدلاً.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى المعرَّضين لدرجة عالية من تلوث الهواء، أو أولئك الذين لا يحظون بالعناية الصحية اللازمة. أما النساء، فإن دماغهن يشيخ بشكل متسارع في المجتمعات التي تتسم بلا مساواة كبيرة جداً بين الجنسين.

من كان يظنّ أن معالجة التفاوتات الاجتماعية الكبيرة وحقوق المرأة والدفاع عن البيئة، تعني أيضاً معالجة شيخوخة الدماغ...

اقرأ أيضاً: د. هدى محيو تكتب: هل حقاً نحن لا نستخدم سوى 10% من دماغنا؟