اقتحم الذكاء الاصطناعي الكثير من مجالات حياتنا اليومية، حتى أصبح شريكاً للآباء في بعض أدوارهم، ورغم إمكانيته في أداء الكثير من المهام إلا أنه لا يمكن أن يحل محل الوالدين.. فما هي الأدوار التي يمكن أن تقوم بها هذه التقنيات؟ وكيف يمكن أن نوجه أبناءنا حولها؟
د. جليلة الحمدان
تكشف الاستشاري تربوي واستشاري الجودة الدولية، د. جليلة حمود الحمدان، بعضاً من هذه الجوانب، قائلة «تطور سريع رافق ظهور تقنية الذكاء الاصطناعي، أو ما يسمى بـ«تقنية التعلّم العميق»، في السنوات الأخيرة، حيث شهد قفزات كبيرة، من أبرز مظاهرها تطور شبكات عصبية صناعية تحاكي طريقة عملها أسلوب الدماغ البشري، من حيث قدرتها على التجربة، والتعلم، وتطوير النفس من دون تدخّل العنصر البشري، ما جعل الآلة تسلك سلوك الإنسان الذكي كي يقوم بعملية التفكير، والاستنتاج، واتخاذ القرار. بعد أن كان الآباء يتّبعون طرقاً متنوعة في تربية الأبناء، وتنمية ذكائهم، وقدراتهم العقلية، كالقراءة والتواصل الفعال، ومنحهم الاهتمام الكافي، وحثهم على التحلي بالشجاعة والأخلاق الحسنة، ومواجهة المشكلات، والتعرف إلى طرق حلّها، ومساعدتهم على التغلب على مخاوفهم المستقبلية، وتعزيز مهاراتهم، الإبداعية والاجتماعية من خلال الممارسات اليومية، وتنمية قدراتهم على التفكير والتحليل، والتخطيط، والاستنتاج السليم، وسرعة التعلّم، وتطبيق كل ذلك بالشكل السليم والمفيد».
تساؤلات الآباء عن تأثير الذكاء الاصطناعي على الأبناء
تتوقف د. جليلة الحمدان عند التحديات التي يمكن أن يواجهها الآباء في تربية أبنائهم، في ظل وجود الذكاء الاصطناعي، والتي يمكن إجمالها في عدة تساؤلات مهمة:
- هل سيكون الذكاء الاصطناعي صديقاً لأبنائنا في المستقبل؟
- هل من السهولة، لنا ولهم، التأقلم والتعايش معه؟
- كيف يمكن أن نهيئ أنفسنا وأبناءنا لهذه المرحلة؟
وتضيف «بداية، علينا أن نعلّم أبناءنا أن التكنولوجيا كالطالب المجتهد يتعلم بشكل سريع، يحفظ ،ويطبّق ما تعلّمه في تحسين أدائه، ويتلقى ملاحظات يمكن أن يستخدمها حتى يصل لدرجة عالية من القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة، وهنا تقع على الآباء مسؤولية التحضير لهذه المرحلة بالشكل الصحيح، بتوجيه الأبناء حول دور هذه التطبيقات في دراسة المعلومات، وحفظها، وتحليلها بكفاءة عالية، ما يساعدها في النهاية على محاكاة الذكاء البشري، واتخاذ القرارات، أو التنبؤ بالمستقبل، كما يفعل البشر عند تعاملهم مع المعلومات المخزنة في عقولهم».
تكشف د. جليلة الحمدان التحدي الذي يمكن أن يواجه الآباء في كيفية توصيل التكنولوجيا بطريقة فاعلة وسليمة للأبناء الذين يتعرضون يومياً لتقنيات مختلفة تحاكي سلوكهم البشري «بينما كان الآباء سابقاً يساعدون أبناءهم ويوجهونهم في اختيار الأصدقاء الأذكياء الذين يمتلكون العديد من المهارات الحياتية، إلا أن بعضهم فشل بسبب الرقابة الشديدة التي يفرضونها على الأبناء». وتكمل «الآن أصبحت أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي هي من تساعد الأبناء في اختيار أصدقائهم المتشابهين معهم في الميول والمهارات نفسها، سواء العقلية أو الاجتماعية، من خلال إرشادهم إلى المجموعات المشابهة لهم، والمهتمة بنفس المجالات التي يهتمون بها، ما يعرف بـ (التوأم الرقمي) في هذا العصر، حيث ستساعد هذه التقنية الآباء على معرفة جميع السلوكات والمهارات التي يفتقدها الأبناء، والتعامل معها. كما يمكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في برمجة برامج خاصة للاعتناء بصحة الأبناء، والأسرة، وبشكل خاص الذين يعانون مرض السكري، أو أمراضاً مزمنة، بتنظيم جدول لبعض السلوكات الصحية، واتّباع نمط حياة صحي خاص، وحظر الأشياء الخطرة على صحتهم وتطوير جودة حياتهم».
وتواصل د. جليلة الشرح «يمتد تأثير الذكاء الاصطناعي إلى الكثير من مناحي الحياة، ويغير الكثير من السلوكات والعادات، لذلك على الآباء أن يعوا أن الألعاب والأنشطة التربوية التي كانوا يمارسونها في السابق، مع الأبناء سيطالها التغيير أيضاً، حيث سيعمل الذكاء الاصطناعي على تحديد بعض الألعاب التي ستتناسب مع نمط شخصية الطفل باختيار الأنشطة والألعاب المناسبة له، كما سيعمل على توفير بعض المقترحات التربوية التي تساعد في بناء شخصية قوية وقيادية، إضافة إلى مساعدته على تحديد المشاعر الإيجابية ونسبة التوافق والتواصل بشكل دوري، ما يساهم في تطوير مهارات التواصل، وبناء علاقات سليمة مع الأبناء. لذلك يجب الاستعداد، وتقبّل وجود مساعد شخصي من الذكاء الاصطناعي لكل طفل في المستقبل، وهو ليس بالشيء الغريب، طالما كان لنا كآباء، ونحن أطفال، صديق خيالي نتحدث معه في خيالنا كنا نستمد وجوده من أفلام الكرتون».
ومع التسليم بحقيقة وجود الذكاء الاصطناعي وتأثيره في حياتنا، تؤكد د. جليلة الحمدان «رغم إمكاناته على أداء الكثير من مهام الآباء في التعليم، وفي قدرته على تطوير شخصيات الأبناء، إلا أنه لا يمكن أن يحل محل الوالدين، فهو لا يملك القدرة على مساعدة الأبناء في تعلم أكتساب بعض المهارات الحركية كالكتابة، التي تنشط العضلات وتحفز الدماغ».
وتخلص إلى أن «استشراف مستقبل الأسرة يعتمد على استغلالنا لتقنيات الذكاء الاصطناعي بالشكل الصحيح، لتحسين جودة الحياة، والعلاقات الاجتماعية التي بدورها تعمل على تحسين صحة الفرد، بناء على أسلوب ونمط حياة، صحي وسليم، لذا يجب أن نكون مهيئين للتعلم ومواكبة كل ما هو جديد لتربية جيل مثقف وواع».