يبحث الآباء والأمهات دائماً عن إقامة علاقة قوية مع الأبناء أساسها الود والترابط والمحبة، إلا أنه في بعض الأحيان قد يفتقدون لبوصلة التربية السليمة، خاصة في ظل المدخلات الكثيرة التي عززت من وجودها الأجهزة الإلكترونية وما تحدثه من تغيير في أطر التربية، إلا أن هناك من ينجح في ذلك مستعيناً إما بخبرات الآخرين أو باستشارة ذوي الخبرة، ليكونوا لهم عوناً في اجتياز أهم امتحان يمرون به في الحياة، ألا وهو تربية الأبناء وفق الأنماط السوية من أجل تقديمهم للمجتمع ليشيدوا البناء ويكملوا دورهم في الدفع بعجلة التنمية.
هذا الموضوع كان محور ورشة نظمتها عن بعد، خدمة تنمية المهارات الوالدية – مرحلة الطفولة المبكرة، التابعة لمؤسسة التنمية الأسرية بأبوظبي، حملت عنوان «بناء علاقة قوية مع الأبناء»، وقدمتها الدكتورة هبة شركس، خبيرة أسرية ومستشار الصحة النفسية، استهدفت الآباء والأمهات والقائمين على رعاية الأطفال (من الولادة إلى 8 سنوات)، واستندت إلى بعض العناصر منها تنمية مهارات التواصل مع الأبناء، وأدوات تحقيق الترابط معهم وتعزيز شخصيتهم.
تقول شركس «هناك أنماط للتربية يستعين بها الوالدان تتمثل في الأسلوب الذي يتعاملان به مع أبنائهما والروتين الذي يمارسانه لتلبية الاحتياجات النفسية والمعرفية لهم» وهي:
النمط التسلطي
والذي تكون فيه السلطة بيد الوالدين وهما من يديران شؤون الأبناء بكل حزم وشدة، بناء على قوانين ملزمة للجميع، وبلا شك قد يحقق هذا النمط انعكاساً جيداً على الأبناء من الناحية السلوكية نتيجة للانضباط والحزم، إلا أنه قد يتسبب عند الكبر في كسرهم لهذه الحدود والتسلل بعيداً عنها في محاولة للتمرد على الخوف الذي شعروا به في الصغر.
النمط المتساهل
على العكس من ذلك هناك النمط المتساهل، وهو الذي يخلو من أي التزام وقواعد أو قوانين ويمارس فيه الأبناء حريتهم دون قيود، وهذا ما يولد لديهم شخصية خالية من القدرة على تحمل المسؤولية، فالدلال وتحقيق الرغبات الآنية هما مخرجات هذا النوع من أنماط التربية.
النمط الحازم
أما الحازم أو ما يعرف بنمط الحزم الحنون، يكون فيه التوجه ناحية القرارات وليس الأشخاص، والتعامل مع الأبناء بطريقة يملؤها الدفء والاحترام، ويقل فيه النقد واللوم والعتاب ونسبة الأوامر، ويفتح باباً للنقاش والاستماع لآرائهم ومتطلباتهم، ويراعى اللين في القرارات المتعلقة بأوقات الدراسة واللعب والمرح، وإيجاد مساحة للخطأ الآمن البعيد عن تجاهل هذا الخطأ.
طريقة تعامل كل نمط
وإذا أعطينا مثالاً لطفل يكسر قواعد الالتزام بساعات مشاهدة التلفاز المتفق عليها فعند النمط الأول سوف يقوم الوالدان بتوبيخه لسوء تصرفه وعقابه وربما حرمانه من متعة المشاهدة لفترة معينة، أما في النمط المتساهل فلن يعاقباه لأنهما لا يضعان قوانين من الأساس وإذا وجدت فلا يلتزم بها الطرفان، أما في النمط الحازم فلن يكون هناك مساحة لنقد الطفل وتوبيخه بعدم الالتزام، بل سيتطرق الحوار إلى كيفية علاج هذا الخلل وعلاج تأثيره في جدول يومه.
تبادل الامتنان يزيد من توطيد العلاقة بين الوالدين والأبناء
تضيف شركس «هناك واحدة من الأدوات التي تضيف إلى مهارات التربية وتؤسس لعلاقة سوية وهي اجتماع الأسرة الناجح، وهو شيء يحدث تلقائياً وليس اختراعاً، ولكن لكي يكون ناجحاً علينا أن نضيف عليه صبغة الامتنان بشرط أن يحدث ذلك بطريقة عفوية وتلقائية أمام الأبناء وبعيداً عن شعورهم المسبق بالترتيب لذلك من قبل الوالدين، كأن تشير الأم لدور الابنة في رعاية أخيها الصغير أثناء انشغالها أو يشعر الأب ابنه بالامتنان له لمساعدته في حمل أغراض المنزل معه، وهكذا، فتبادل الامتنان يزيد من توطيد العلاقة بين الوالدين والأبناء وبين الإخوة مع بعضهم.
مناقشة المشكلات دون خوف أو خجل
أما فيما يتعلق بالحوارات الخاصة بالمشكلات التي يود الأبناء طرحها فيقوم الوالدان بعمل جدول اجتماع يضع فيه كل فرد في الأسرة ملاحظة عما يود مناقشته أو تغييره من قوانين تطبق عليه، أو حتى ملحوظة يوجهها للأب أو الأم تشعره بعدم الارتياح، ويتم مناقشة تلك النقاط بأسبقية وضعها في الجدول أو يختار الوالدان ما يريانه مهماً ويحتاج إلى إصلاح عاجل، ولكن يجب ألا تطول فترة تلك الاجتماعات على الأقل في البداية ولا يتخللها محاولات لفرض السلطة أو التلاعب بمشاعر الأبناء في الغضب منهم إذا فعلوا شيئاً معيناً.
كما من شروط الاجتماع أن يجلس الجميع على شكل دائرة ولا يكون على رأس الطاولة من يدير الاجتماع، إذ يمكن أن يتولى ذلك أحد الأبناء، فالهدف هو إقامة جلسة عصف ذهني يبوح فيها الجميع عما بداخلهم دون خجل أو خوف وأن يجد كل واحد من خلال ما صرح به، ما يسر خاطره ومن احترام رأيه ورغباته ويقدر دوره داخل الأسرة.